كلام رئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام المتكرّر عن التزام حكومته بخطاب القسم، وبتنفيذ القرارات الدوليّة التي تفرض حصر السلاح في لبنان بيد سلطاته الشرعيّة، ممتاز. المشكلة أنّنا لم نرَ من سلام إلى الساعة إلّا الكلام. ما ينقص هو إقران القول بالفعل، أو بالحدّ الأدنى، بخطّة زمنيّة واضحة لسحب كلّ السلاح غير الشرعي في لبنان، بدءاً بسلاح الأصوليّين الشيعة، وصولاً للسلاح الفلسطيني في المخيّمات. مرّت أشهر على تكليف سلام تشكيل الحكومة الأولى في عهد جوزاف عون، ماذا ينتظران للإجابة على السؤال المركزي حاليّاً في حياتنا العامّة: متى يصبح الجيش اللبناني، والقوى الأمنيّة اللبنانيّة، الطرف المسلّح الوحيد فوق ترابنا الوطني؟
المشكلة المباشرة التي يواجهها لبنان اليوم شديدة الوضوح: لا يزال الرفض الشيعي لتسليم السلاح عارماً، بحسب المواقف التي تصدر عن “حزب اللّه”، وحركة “أمل”، والمفتي الجعفري، والوزراء الشيعة في الحكومة، كتمارا الزين. في أفضل الأحوال، يتكلّم المتطرّفون الشيعة عن سحب السلاح من الجنوب فقط، علماً أنّ مدى التزامهم جديّاً بذلك مسألة فيها نظر، بدليل الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل منذ أيّام. حلّ التمرّد الشيعي المستدام على الدولة يقتضي كسره. يعني ذلك تكليف الجيش بمصادرة أيّ مخزن سلاح غير شرعي في أيّ منطقة من لبنان، وإصدار أوامر له بإطلاق النار على كلّ من يحول بينه وبين تنفيذ مهمّته. بهذا النوع من الحزم تصرّف الملك حسين في الأردن عام 1970 خلال أحداث “أيلول الأسود”، وهي كانت بالحقيقة “أيلول الأبيض”، لأنّها منعت المخرّبين من تدمير الأردن كما دمّروا لبنان لاحقاً. نعلم طبعاً طبيعة الدور الذي لعبه آنذاك رؤساء الحكومات اللبنانيّة، لا سيّما رشيد كرامي. ما ليس واضحاً بالمقابل هو هذا: هل نوّاف سلام رشيد كرامي آخر، أم أنّ فيه شيئاً من شجاعة الملك حسين؟
حقّنا كمواطنين أن نعلم. حقّنا أن تصارحنا السلطة بخطّة واضحة في مسألة السلاح كي نحاسبها على أساس ما تعهّدت به. هناك من سيقول إنّ استخدام الجيش ضدّ الأصوليّين يقود البلاد إلى حرب أهليّة. بالحقيقة، الحروب الأهليّة تندلع عموماً في الدول الضعيفة، ولا شيء يضعف الدولة، بل يلغي علّة وجودها أساساً، بقدر السلاح غير الشرعي. حصر السلاح بيد السلطات الشرعيّة شرط السلم الأهلي، والحرب الأهليّة الحقيقيّة هي استمرار الستاتيكو الحالي إلى ما لا نهاية. وهناك من سيقول أيضا إنّ استخدام الجيش ضدّ الأصوليّين سيقسمه. الجواب: ليكن. أن ينتصر جزء من ضبّاطنا وعسكريّينا لبلادهم خير لهم ولها من أن يديروا كلّهم ظهرهم للبنان، بحجّة الحفاظ على وحدتهم. وفي نهاية المطاف، الجيش في خدمة لبنان، لا العكس. من غير الممكن تالياً القبول بإعطاء الورم الأصولي فرصة النموّ مجدّداً كرمى لضبّاط وعناصر يحرّكهم رابط التضامن المذهبي مع ميليشيا جماعتهم على افتراض وجودهم. وربّ قائل، أخيراً، إنّ الشيعة كلّهم يريدون السلاح، وسيهبّون للدفاع عنه لو تحرّكت الدولة. الجواب: فليكن للشيعة دولتهم ساعتئذ، وليكن للبنانيّين دولة أخرى. وليحصل الطلاق. نعم: ليحصل الطلاق. هو أفضل للجميع، وأكثر منطقيّة من فرض السلاح الشيعي على مكوّنات مسيحيّة وسنيّة ودرزيّة لا تطيقه.
هناك من سيعترض على هذا الكلام بحجّة أنّ هناك مسائل أخرى في البلاد ينبغي التصدّي لها غير التوازن بين الطوائف والسلاح الشيعي، كمكافحة الفساد. هذا هراء خالص لأنّ الإصلاح مستحيل ما بقي السلاح. لا أحد يقول إن لا مسألة في لبنان المنهوب غير مسألة الخمينيّين الشيعة؛ ولكن الأكيد أن لا حلّ ممكناً لمشاكلنا ما بقي سلاح هؤلاء. تالياً، كلّ من يعطي الأولويّة اليوم لأيّ مسألة غير السلاح غبي مفيد. وكلّ من يحلم بانتعاش اقتصادي ومساعدات خارجيّة في ظلّ السلاح واهم. وكلّ مسؤول يكتفي بهجاء السلاح من دون أن يتحرّك لشطبه من المعادلة على الأرض مشبوه. والتأييد الشعبي المشروط للعهد لن يستمرّ طويلاً لو بدا أنّ حكومته الأولى ترندح مع ماجدة الرومي: لا شيء معي الّا كلمات.