سلام: لست قلقاً على الحكومة…. ولا ضمانات بعودة العرب رغم «الجوّ الإيجابي»
لا يُبدي رئيس الحكومة نواف سلام قلقاً على مصير حكومته من الحملات التي يتعرَّض لها، ولا سيما تلك التي طالته من «الثنائي الشيعي» والتلويح بتحريك النقابات للنزول إلى الشارع. قبل يومين من افتتاحه ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية باستضافة مباراة ناديي النجمة والأنصار في 23 أيار الماضي، وصلته معلومات أن «حزب الله» يُحضِّر جمهوره لإطلاق هتافات ضده لدى وصوله إلى الملعب. بقي على قراره بالذهاب إلى حفل الافتتاح، رغم معرفته بما يُعدُّ له، فكان أن سمع، لدى وصوله، هتاف: «يا نواف سماع منيح: لبيك يا نصرالله»، وآخر أكثر وقاحة وإساءة: «صهيوني صهيوني نواف سلام صهيوني».
وحين أصدر «حزب الله» لاحقاً بياناً يستنكر فيه الشعارات والاتهامات لرئيس الحكومة واعتبارها مسيئة ومرفوضة، جاء الرد من سلام على الهتافات واستنكار «الحزب» مقتضباً في مقابلة مع «سكاي نيوز» لكنه موجع، إذ اكتفى بالقول: لا تَـزْنوا ولا تتصَدَّقوا.
في جلسة دردشة مع مجموعة ضيِّقة من الصحافيين تلاها مباشرة لقاء سلام مع وفد كتلة «الوفاء للمقاومة»، كان سؤالٌ للرئيس سلام عن قراءته لأسباب الحملة عليه؟ فيأتي الجواب: لا أعرف. ربما هم بحاجة إلى خلق خصم، وربما أزعجهم لاحقاً قولي إن زمن تصدير الثورة الإيرانية انتهى. أساساً، ما عاد الإيرانيون يتحدثون عن تصدير الثورة، هل عاد أحد يسمع كلاماً بهذا الشأن أو كلاماً عن سيطرتهم على أربع عواصم عربية؟ أنا أعتقد أن قيادة «الحزب» لا تُصدِّق الكلام الذي تروِّجه عنّي، وتعلم أنه غير صحيح.
هو ذهب إلى عين التينة يوم الاثنين من موقعه كرئيس للسلطة التنفيذية، فهناك ملفات عدة للبحث مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومنها فتح دورة استثنائية لمجلس النواب. اللقاء بين بري وسلام تخالله عتاب وإيضاحات من الطرفين. في المحصلة، أوضح سلام موقفه من الكلام الذي اعتُبر عالي السقف.
في مقابلته مع الإعلامي عماد الدين أديب، سُئل: هل أنت مع السلام؟ فكانت إجابته بأنه مع السلام، أي السلام القائم على مبادرة السلام العربية، التي تنصُّ على قيام دولة فلسطينية وتحفظ حق العودة. يُعلّق سلام، ماذا عليَّ أن أقول: لست مع السلام؟ المبادرة اسمها «مبادرة سلام» لا «مبادرة حرب». أما في مقابلته مع «سي.إن.إن»، فسُئل عما إذا كان مع الدخول في مسار التطبيع، فكان تعليقه واضحاً بأن ليس هناك من دخول بمسار جديد، بل هناك سلام قائم على حل الدولتين. وبعد حل الدولتين، يأتي السلام ومن ثم التطبيع. قبل طي صفحة المعاتبات، نادى بري على مستشاره علي حمدان الذي كان نقل لرئيسه الملخّصات، والتي اعتبرها سلام مجتزأة.
عبَّد لقاء سلام – بري الطريق أمام «النزول عن الشجرة». بعث رئيس الحكومة من عين التينة رسالة إلى «حارة حريك» بأن أبوابه مفتوحة ساعة يختار «الحزب» والحاج محمد رعد. وأنه هو الآخر يترك وداً أيضاً للحاج محمد رعد، وأنه يقابل الود بالود. علّق رعد على كلام سلام بأنه سيلاقيه قريباً جداً. وهكذا جرى، اتصل «الحزب» بالسراي الكبير، فكان تحديدُ موعدٍ هو الثالثة من أمس الأربعاء.
كلام رئيس الحكومة عن حصرية السلاح بيد الدولة لا يخرج عما ورد في البيان الوزاري، يُكرِّر: «أنا لا أقول كلمة زائدة أو ناقصة عما ورد في البيان الوزاري الذي صوََّت عليه الثنائي». أما الاتهامات عن تقاعس الحكومة في موضع الإعمار، فيحار رئيسها في أمرها. يقول: «يوم كان وفد لبنان يستعد للقاء «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» في اجتماعات الربيع، قمنا بتعيينات «مجلس الإنماء والإعمار» قبل أن يطلع النهار في واشنطن، وذلك من أجل ضمان إقرار 250 مليون دولار من البنك الدولي، وحصلنا من الفرنسيين على 75 مليوناً رغم أنهم وعدوا بمائة مليون، فضلاً عن أن الحكومة تعمل جاهدة على مشروع «المساعدة الطارئة للبنان» (LEAP)». ولشرح هذا المشروع الذي تطرَّق إليه رئيس الحكومة، كانت وزارة المالية، قبل نحو أسبوع، قد أعلنت عن التحضيرات لإطلاقه، وأن البنك الدولي سيُنشئ بموجب هذا المشروع صندوقًا خاصًا يهدف إلى جذب التمويل من الجهات المانحة والدولية، لدعم جهود إعادة الإعمار في المناطق التي تضررت جراء الحرب الإسرائيلية.
ماذا عن الترابط ما بين إعادة الإعمار وحصر السلاح بيد الدولة؟ يقول: هناك نقطتان أساسيَّتان حول السلاح والإعمار.
أولاً: نحن نلتزم بتطبيق «اتفاق الطائف» وحصر السلاح بيد الدولة وسيطرتها على كامل أراضيها، ونحن نلتزم تطبيق «الطائف» ونستند إلى البيان الوزاري وخطاب القسم. ونتابع آلية سحب السلاح في الحكومة، وخصصنا جلسة لمجلس الوزراء لهذا الخصوص، وشرح لنا قائد الجيش رودولف هيكل الإجراءات المتخذة في الجنوب وتوسيع انتشاره وتفكيك المواقع، وهذا المسار يتم استكماله، والحكومة مصمِّمة على تنفيذه.
ثانياً: الحكومة تعهدت في بيانها الوزاري بإعادة الإعمار. ونحن نسعى، مع كل الدول والجهات المانحة ومع الدول العربية أيضاً، من أجل الحصول على المساعدات. هناك تفسير لعدم حصولنا على المساعدات بالشكل المطلوب بأن الدول تشترط لتقديمها أن يتم إيجاد حل لحصر السلاح بيد الدولة، ولكن نحن لم نتبلغ بذلك، وما زلنا نعمل بكل الوسائل ونكثّف حركتنا من أجل رفع المساعدات بأقل وقت ممكن إلى مليار دولار. سئل: هل سبق أن طرحت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس مسألة الربط بين نزع السلاح وإعادة الإعمار؟ قال: كانت أورتاغوس تؤكد على ضرورة الأفعال. وهي طلبت تسريع الخطوات في ما خص بسط سلطة الدولة. هل ستأتي؟ لا نعرف إذا كانت ستأتي، وماذا إذا كان مناقلات ما ستشملها.
قيل له: أليست المساعدات، ولا سيما من الدول العربية لها متطلبات، وهل لديك ضمانات بعودة العرب؟ رد سلام: الجو تغيَّر عما كان سابقاً. والأكيد أن هناك جواً إيجابياً وهناك محبّة. ولكن نواجه مشكلتين، هما رفع حظر السفر عن المجيء إلى لبنان، وموضوع الصادرات إلى الدول العربية. في ما خص المسألة الأولى، رفعت الإمارات حظر السفر، وأنا آمل أن تقوم المملكة العربية السعودية بهذه الخطوة. ثمة مجموعة من المخاوف الأمنية وكيفية المعاملة في لبنان. من جانبنا، نحن أخذنا إجراءات في المطار وعلى طريق المطار ونشَّطنا الشرطة السياحية. وسنفعل كل ما يلزم من أجل تأمين كل السبل الكفيلة لضمان أمن زوَّار لبنان. وبالنسبة للمسألة الثانية، مسألة الصادرات، فلبنان كان يُصدِّر الكتب والمهندسين والمقاولين قبل أن يتحوَّل إلى تصدير «الكبتاغون». علينا أن نضبط صادراتنا، وأن نضمن خلوَّها من المخدرات. ونحن بصدد إجراءات على المرافئ، وأولها تركيب «السكانرز» التي يمكنها تأمين الكشف الدقيق على ما سيُصدََّر من لبنان.
الحديث المتشعب يأخذنا مجدداً إلى السلاح، ولكن هذه المرة إلى السلاح الفلسطيني، والشعور بأن هناك تراجعاً عما أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن رغبته في تسليم الدولة اللبنانية لسلاح المخيمات الفلسطينية. جاءه السؤال: إذا فشلت الدولة في تسلّم سلاح المخيمات، فهل يمكنها الحديث عن تسلّم سلاح «حزب الله»؟ يُجدِّد سلام موقفه المبدئي من حصرية السلاح. ويروي أن «أبو مازن» في زيارته طرح موضوع تسليم السلاح الفلسطيني، فرحَّبت بطرحه. هو سبق أن طرح موضوع دخول الدولة اللبنانية إلى المخيمات قبل سنوات، ومعروف أنه ضد موضوع السلاح.
في ضوء موقف عباس، اجتمعت اللجنة اللبنانية – الفلسطينية من أجل بحث الإطار الزمني والعملاني، وأي مخيمات ممكن أن يتم البدء بها. اليوم، إذا كانت هناك صعوبات داخلية تواجهها منظمة التحرير تتعلق بتسليم السلاح، فإننا سنتابع هذا الملف من خلال الحوار داخل اللجنة. وهذا السلاح الفلسطيني قابل لأن يتحوَّل إلى سلاح فتنة فلسطينية – فلسطينية أو فلسطينية – لبنانية. يُشير سلام إلى أن السلاح الفلسطيني أعاد قبل خمسين سنة إحياء القضية الفلسطينية ومركزيتها وهويتها وكان له دور، لكن قوة فلسطين اليوم في العالم ليس بالسلاح، بل هي بعدد الدول التي ذهبت إلى الاعتراف بها.
كان لا بدّ من السؤال عن زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى لبنان بمناسبة توقيع كتابه «قوة التفاوض» الصادر باللغة العربية، ولقائه على هامش الزيارة المسؤولين اللبنانيين. سئل سلام: هل أهداك عراقجي كتابه؟ قال: «لا». أهداني سجادة عجميّة صغيرة، وقد استفاض في الحديث عن تطوير علاقات إيران مع الدول العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية ومصر، وعَـبَّرتُ له عن سعادتي بهذا التطوُّر والانفراج في العلاقات بين إيران والدول العربية على قاعدة الاحترام المتبادل.
يصف سلام طابع الزيارة بأنها زيارة ودّية تهدف إلى مقاربة العلاقات مع لبنان من ضمن مقاربة إيران لعلاقاتها مع الدول العربية. كان تركيزه على فتح صفحة جديدة في العلاقات وعدم التدخل بشؤون الآخرين. تطرَّق رئيس الدبلوماسية الإيرانية إلى مسألة إعادة تشغيل الرحلات المباشرة بين إيران وبيروت، فأبلغتُه بأن هذا الأمر خاضع لاعتبارات أمنية لبنانية، وأن الرحلات موجودة بين لبنان وإيران عبر بلد ثالت. وأبدى كل الاستعداد للمشاركة في إعادة الإعمار ضمن أطر العلاقة بين الدولتين. لم يتناول عراقجي موضوع المفاوضات بين بلاده وأميركا، ولم يشأ سلام سؤاله عن هذا الموضوع، فهو يدرك أن الجواب لن يعكس حقيقة ما يجري.
وبالعودة إلى الداخل اللبناني، والاستحقاق الذي ينتظره اللبنانيون في ربيع 2026 والمتمثل بالانتخابات النيابية، سئل الرئيس سلام عمّا إذا كانت الحكومة ستعمل على إرسال مشروع قانون لتعديل القانون الحالي، ولا سيما في ما يخص المقاعد الستة للمغتربين وجعل تصويتهم في دوائرهم الانتخابية؟ فقال: حتى الآن، لم نُقارب هذا الموضوع، هناك قانون نافذ، ويوجد اقتراح قانون مقدَّم من مجموعة من النواب لإلغاء المقاعد الستة والعودة إلى ما كان عليه الأمر في الدورة الماضية، وهذا الاقتراح يُشكِّل «التيار الوطني الحر» رأس حربة فيه ويعارضه «الثنائي الشيعي». وثمة حاجة إلى بلورة الكثير من الأمور الإجرائية من «الميغا سنتر» إلى «الكوتا النسائية»، بغض النظر عن نظام الاقتراع. ومن الممكن أن تتقدّم الحكومة بمشروع قانون لتعديل القانون الحالي وتطويره.
خرجنا من مكتب سلام، ليدخل وفد «حزب الله» الثالثة بعد الظهر، ويليه تصريح رعد «إننا دخلنا اللقاء مبتسمين لأننا لا نضمر إلا الودّ، ونخرج مبتسمين لأننا حريصون على التوافق…».