لم يكن ما جرى عند صخرة الروشة مجرد حادثة عابرة بين “حزب الله” ورئيس الحكومة نواف سلام ممثلاً الدولة اللبنانية، فالجدل حول الترخيص والفعالية وما رافقه من هتافات ضد الرئيس سلام، يكشف أن الاستهداف يتجاوز الخلاف الإداري أو التناقض اللحظي، ليلامس عمق الصراع الإقليمي وتداعيات خسارة سوريا على نفوذ “الحزب” ومحوره.
يمثل الرئيس نواف سلام شخصية سنية من خارج المنظومة التقليدية، لا ملفات فساد عليه، ولا مصالح شخصية له، ولم يكن طرفًا في أي شبكة محاصصة، ما يجعل الهجوم عليه مختلفًا عن أي شخصية أخرى، في ظل غياب أي تكتل سني فعلي يحميه، ليصبح هدفًا سياسيًا ورمزيًا في آن واحد، فاستهدافه لا يتعلق بمواقف إدارية فقط، بل بتحويل الهزائم السورية وخسائر محور الممانعة إلى رسالة ردع داخلي وكأن “الحزب” يقول: كل من يقف خارج قواعدنا ويمثل الدولة سيكون معرضًا للهجوم.
لم تُقيّد الهجمات الموجهة ضد سلام بالكلام السياسي، بل تجاوزتها إلى الهتافات والتخوين واتهامه بالعمالة والصهيونية ضمن فعالية إحياء ذكرى رحيل شخصيتين يعتبرهما “الحزب” يمثلان طائفة بأكملها، وكأن الرئيس سلام لا يمثل طائفة كبيرة، والهجوم عليه لا يعني استهداف طائفة بأكملها. هذه الهجمات الرمزية التي تهدف إلى إضعاف أي زعيم سني من خارج المنظومة، ترجمها “الحزب” باستذكار الرئيسين رفيق الحريري وابنه سعد، في محاولة فاشلة للمقارنة بين الرؤساء الثلاثة، وتبرير غير مقنع لـ “صهينة” سلام ولبننة آل الحريري.
تركت خسارة سوريا فراغًا استراتيجيًا أجبر “حزب الله” على البحث عن بدائل داخلية لتعويض الهزيمة الرمزية، وعليه يأتي استهداف الرئيس سلام كحلقة ضمن هذا السياق، فهو يمثل شريحة واسعة من أبناء الطائفة السنية، الطائفة التي لها امتدادها في سوريا، وعندما يكون الحكم في سوريا قويًا يقوى به أبناء الطائفة في لبنان، وما حدث من خسارة للبعض كان انتصارًا للبعض الآخر، بعد حكم دام أكثر من خمسين عامًا لأقلية عملت بالتعاون مع الأقليات الأخرى على استهداف وتحجيم أمة بأكملها في سوريا ولبنان. وعليه فإن فقدان سوريا وعمقها الاستراتيجي الذي منحته لـ “الحزب” لسنوات، واستهداف شخصية سنية تمثل الدولة، لم يكن فقط ردًا على سياسات أو قرارات، بل هو ترجمة داخلية لهزائم إقليمية طالت المحور، ويكشف كيف يمكن للأحداث الخارجية أن تتحول مباشرةً إلى أدوات ضغط محلية على شخصيات بعينها.
ولأن الوضع يصبح أخطر عند التفكير في النزول إلى الشارع للدفاع الشعبي عن سلام، يطرح السؤال: ماذا لو نزل أبناء الطائفة السنية إلى الشارع نصرةً له؟ وماذا لو تحولت الاحتجاجات إلى صدام دموي يتحمل مسؤوليته من دعا للنزول إلى الشارع؟ هذا الاحتمال يفسر جزئيًا تحفظ القوى السنية الرسمية عن خوض المواجهة المفتوحة، ويكشف هشاشة الموقع الذي يحاول “الحزب” استهدافه لتحويل الهزيمة الإقليمية إلى هجوم داخلي على شخصية سنية تمثل الدولة، تلك الهشاشة السنية التي قد تستدعي طلب العون من دمشق ودخول موقع رئاسة الحكومة تحت حماية الرئيس الشرع، فكيف سيكون الحال وقتها؟
عكس استهداف الرئيس سلام بهذه الطريقة معادلة سياسية واضحة: إذا أردت إعادة هيبة الدولة أو المس بهوامش نفوذ “الحزب”، فالوسيلة الأسهل هي تشويه الشخصية، تخوينها، واتهامها بالصهيونية. وكونه سنيًا يمثل الدولة، فهذا الهجوم يحمل بعدًا مزدوجًا: داخليًا لإضعاف موقعه كرمز للسنة وواجهة للشرعية بعد أن ترك وحيدًا، وخارجيًا كإشارة إلى أن أي محاولة لإعادة هيبة الدولة أو فرض القانون سيواجه برفض عملي وميداني.
وعليه، يجد الرئيس سلام الذي التزم خطابًا متماسكًا حتى الآن نفسه أمام تحدٍ مضاعف: كيف يرد على التخوين والهجوم دون الانجرار إلى صدام مباشر يهدد الاستقرار الهش، وكيف يثبت أنه ليس مجرد واجهة بل صاحب قرار فعلي؟