IMLebanon

التواضع للحوار والثقة لحكومة نواف سلام

 

قبل يومين من جلسة الثقة لحكومة الرئيس نواف سلام، وتحديداً في ٢٣ شباط ٢٠٢٥، كان الحدث مهيباً في تشييع الشهيدين الكبيرين: سماحة السيد حسن نصر الله، القائد التاريخي للمقاومة الإسلامية في لبنان، وخليفته في الأمانة العامة لحزب الله السيد هاشم صفي الدين. كان الوداع المُرّ وبحر الجموع والدموع الساخنة والجارحة فوق الخدود وفي القلوب. كان حضوره الهائل يرافق موكب التشييع بطيئاً بين عشرات ومئات الآلاف من الحشود المجتمعة داخل المدينة الرياضية وفي محيطها وطوال الطريق حتى مرقده الأخير. كانت كلماته تنبض بالعنفوان وتملأ أرجاء المدينة والمدرجات والساحات وعبر الشاشات. غلب صوته هدير طائرات العدو ومعه الجماهير المُحبّة والعاشقة لسيد شهداء المقاومة هاتفةً: لبّيك يا نصر الله، وهيهات منّا الذّلة، الموت لأميركا، والموت لإسرائيل.

بين الكلمات والردود في الجولة الأولى من جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس الدكتور نواف سلام، كان لافتاً الرد المحسوب والمنطقي من رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب الحاج محمد رعد، على النائب ميشال معوض، بقوله: «يجب أن يتواضع ونحن جاهزون للحوار لكن ليس بهذه الطريقة الإستعراضية». لم يكن «معوّض» المرشّح السابق لرئاسة الجمهورية موفّقاً في مقاربته للقضايا الوطنيّة الكبرى وتداعيات الحرب الإسرائيليّة الهمجيّة على شعب لبنان وأرض الجنوب الباسل والبقاع والضاحية وبيروت والشمال وجبل لبنان. بين خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية والبيان الوزاري الذي على أساسه منح السيد معوّض ثقته لحكومة العهد الأولى، كان يتعيّن على السيد معوّض أن يتواضع ويلاقي اللبنانيين في منتصف الطريق، لا أن يتجاهل تضحيات المقاومين الذين تصدّوا للغزو البرّي الإسرائيلي وأجبروه على التوقف والتراجع وصولاً إلى قبوله بالتفاوض والإتفاق على وقف إطلاق النار في ٢٧/١١/٢٠٢٤، ولا أن ينصّب نفسه أميراً ثمّ يقوم باستدعاء الآخرين كما عبّر الحاج محمد رعد.

مشكلة حزب الله مع غالبية اللبنانيين كما يُقال، كانت في الهيمنة على مفاصل الدولة، وجعلها رهينة للسياسات الإيرانية في المنطقة، من طهران إلى بغداد وصنعاء ودمشق، وإلى بيروت وغزة وباقي الأراضي الفلسطينية. ومشكلة خصوم حزب الله في الداخل اللبناني أن فريقاً كبيراً يميل نحو التطرف في مواجهة سلاح المقاومة دون أن يقيم اعتباراً لمخاطر وأطماع العدو الإسرائيلي سوى من بعض المواقف المتغطيّة بخطاب الدولة الحامية، وهي لا تزال في الحقيقة بعيدة وغير قادرة على تأمين الحماية اللازمة لشعبها وأراضيها وثرواتها المائية والطبيعية والنفطية. وهذه المسائل لحلّها لا بدّ لها من خط اعتدال وطني ورؤية حكيمة وصائبة لم يخلو منها خطاب القسم للرئيس عون والبيان الوزاري لحكومة سلام التي تنتظرها المهام الجسام لوضع لبنان على سكة الإصلاح والإنقاذ من خلال الدعم العربي والدولي والثقة الكبيرة التي سيعطيها مجلس النواب لهذه الحكومة دون الاعتداد بأصوات النشاز، والمعارضة الممجوجة لرئيس التيار البرتقالي جبران باسيل الذي منّن دولة الرئيس نواف سلام بإعطائه الثقة قبل أن ينزعها عنه وعن حكومته لأنه لم يستحقها كما يقول، وزاعماً أنه لولا تسميته له لما أصبح رئيساً للحكومة! وهذا كلام تضليلي وغير واقعي في ضوء حسم الرئيس سلام لسباق التكليف بنسبة تصويت كبيرة جداً وصلت إلى ثلثي أعضاء مجلس النواب. ولذلك لم يتأخر رد الرئيس سلام على عبارة الواهم الأورانجي: «وإذا كنت راغباً في استعادتها (الثقة)»، فبادره بابتسامة ساخرة وبقوله أنه ليس راغباً باستعادة هذه الثقة.

صحيح أن هناك شبه إجماع بين القوى المسيحية في المجلس النيابي من القوات اللبنانية وحزب الكتائب والمرشح الرئاسي المنسحب لقوى المعارضة ميشال معوض وغيرهم على مطالبة حزب الله بتسليم سلاحه إلى الجيش والدولة اللبنانية في جنوب الليطاني كما في شماله تطبيقاً للقرار الدولي رقم ١٧٠١ والقرارين ١٥٥٩ و ١٦٨٠، إلّا أن هذه المطالبة القديمة الجديدة بقيت على قِدمها في الأسلوب مع الأسف، وربما في نبرة لا تزال تحاكي لغة العصبيات والفرقة بين اللبنانيين، وهي لغة مرفوضة سواء جاءت من طرف الفريق الداعم للمقاومة أو من طرف الفريق المتمسّك بحصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، وباحتكار الدولة لقرار السلم والحرب في لبنان.

إن لبنان اليوم بحاجة أكبر إلى لغة محدّثة وأكثر اعتدالاً وانفتاحاً على الآخر تشبه اللغة والخطاب الوطني الجامع الذي قدّمه الرئيس سعد الحريري في ذكرى الرابع عشر من شباط ٢٠٢٥ وشعاره لبنان أولاً، بالتعاون بين جميع اللبنانيين لدعم العهد الجديد ورئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام، ولا سيما مع إشارته إلى التضحيات العظيمة والشهداء والجرحى والدمار الكبير الذي تسببت به حرب نتنياهو المجنونة ضد لبنان، ومشدّداً على الدور الكبير والأساسي لأهلنا في الجنوب والبقاع والضاحية كما في العاصمة بيروت وباقي المناطق اللبنانية من أجل النهوض وإعادة الإعمار وتعزيز المؤسسات الوطنية تحت سقف الدولة واتفاق الطائف. ولا شك أنه في حال عودة تيار المستقبل إلى الانتظام مجدداً في الحياة السياسية اللبنانية بعد إنهاء تعليق العمل السياسي من قبل الرئيس سعد الحريري، فليس مستبعداً أن يشارك هذا التيار في الحوار الوطني الكبير (والحقيقي) الذي يمكن أن يدعو إليه رئيس الجمهورية في الوقت المناسب لتحقيق الأهداف الواردة في خطاب القسم، وليعود لبنان إلى سابق عهده جوهرة الشرق الثمينة، وجمال الطبيعة وإبداعات الفنون والفكر الثقافة، بلد المحبة والسلام.

نستعيد الأمل مع انطلاقة هذا العهد الجديد برئاسة العماد جوزاف عون، وبعد نيل الحكومة العتيدة للثقة، بأن لا تتأخّر الإنجازات، وأولها وشرطها اللازم في نفس الوقت «وحدة اللبنانيين» في هذه المرحلة التاريخية والمفصلية التي يمكن أن يولد من خلالها لبنان الجديد. لا نطمح لتحقيق الكثير في عامٍ واحد ولا سيما أن فترة الحكومة الحالية ستكون محدودة بحلول الانتخابات النيابية في العام القادم ٢٠٢٦، لكن يكفي أن نعود إلى وحدتنا وتضامننا كلبنانيين، يكفي أن نكون على الطريق الصحيح.