IMLebanon

الضرورة الغائبة في صراع الضرورات

 

 

الحرص على النقاش الدستوري علامة صحّة في وضع غير صحّي. ومن حسن الحظ اننا لا نزال نعيد التذكير بالاعتبارات الدستورية حتى حين يكون الدستور على الرفّ خلال الأزمات، والاحتكام اليه على طريقة آلا كارت. لكن التوافق السياسي سمح بتجاوز الاشكالات الدستورية في موضوع التشريع عندما تكون الحكومة مستقيلة أو خلال الشغور الرئاسي. وأبرز ما في هذه الاشكالات حرمان رئيس الجمهورية حقّه في ردّ القوانين الى المجلس النيابي بعد اطلاع مجلس الوزراء الغائب في الوضع الحالي، وبالتالي تصبح القوانين نافذة بالتوقيع أو بانقضاء المهلة.

وليس ما سمّي تشريع الضرورة سوى مخرج ظرفي من مأزق يبدو طويلا. فأزمات الشغور الرئاسي وتأليف الحكومات لم تعد استثناء من القاعدة في ادارة النظام الديمقراطي البرلماني، لأن تكرارها يكاد يجعلها القاعدة. وهي تقود الى تجميد الحياة السياسية واللعبة الديمقراطية وشلّ السلطة. لكن الحياة متحرّكة. وحاجات البلد والناس متنامية. ومن الوهم السعي لتجميد الحياة من أجل مكاسب سياسية تفقد جدواها ولو تمّ الحصول عليها، لأن انهيار المسرح تحت جميع اللاعبين يسبقها. وليس أخطر من سياسة الرهان على الأزمات سوى استسهال الاحتيال على الأزمات بدل إعطاء الأولوية للحلول.

 

والمشكلة اننا مختلفون حتى على الضرورة. لا فقط بالنسبة الى ما على جدول الأعمال في جلسات تشريع الضرورة بل أيضا بالنسبة الى ما بات يحتّم علينا تقديم ضرورة تأليف الحكومة على ضرورات المواقع والمواقف لدى كل طرف. وهي ضرورات بعضها من النوع المضرّ بالبلد، وبعضها الآخر فئوي وشخصي وأسير جوع الى المال والسلطة.

فضلا عن الخلاف على ضرورات لبنان في المحافظة على رأسه وقت تغيير الدول. فالصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها يزداد حدّة، وسط أوهام الأحجام والأوزان لدى القوى الصغيرة، ولعبة التنافس والبحث عن صفقات بين الكبار على حساب الصغار. والتحدّي أمام الجميع هو: هل نعيد الاعتبار الى سياسة النأي بالنفس عن صراع المحاور الاقليمية أم نكرّس الخروج عليها كسياسة رسمية للحكومة العتيدة، بعدما سلّمنا بالخروج عليها عسكريا وسياسيا من أطراف في السلطة؟ وهل نستطيع التفاهم في اطار وطني، لا فئوي، على ان نكون سادة أنفسنا ونضع مصير لبنان في أيدينا أم ان مصير لبنان يُصنع في ساحات المنطقة كما يقول السيد حسن نصرالله؟

ليس ما نسمعه سوى أجوبة على نوعين: واحد شديد التبسيط في أوضاع معقّدة. وآخر ملتبس وشديد التعقيد الى حدّ التصوّر ان قدرنا هو الأزمات التي نفشل في حلّها ونراهن على حلول لدى الآخرين.