IMLebanon

شيء من الأمل  

 

 

قيل لي أنّني أنزع إلى التشاؤم في مقالاتي، فقلت هي واقعيّة وليست تشاؤماً، الحذر من التفاؤل هو حذرٌ من خيبة الأمل، ويا ليت التفاؤل المطلق هذا على هيئة حبّة دواء -غير مقطوع هذه الأيام- أو كشربة ماء يتناولها المرء فتعيد صياغة مخاوفه وحذره وتخفّف من قراءته الواقعية للأمور.. ولا أنكر أنّ اللبنانيّين يحتاجون إلى جرعات هائلة من الأمل، وأن يصدّقوا هذا الأمل لأنّهم اعتادوا أنّ ثمة لصوص ينجحون في كل مرة بسرقة آمالهم وقلب تفاؤلهم إلى تشاؤم بفعل تراكم الملفات السوداوية التي تحاصر يومياتهم.

 

قد يكون أفضل ما يرافق عملية تشكيل الحكومة العتيدة هو الالتزام بتعليمٍ نبويّ علّم المؤمنين أن يستعينوا على قضاء حوائجهم بالكتمان، هذا الكتمان مفيد لحماية عملية التشكيل من مراشقتها بحجارة التحليل في حال حسن النيّة، ومن الشائعات والسجالات في حال سوء النيّة، ومن حظّ هذا الصمت الذي يحمي أجواء التأليف، هو حالة عدم الانتظار هذا يساعد اللبنانيّين على الاستمرار، يشعرهم أنّهم شعبٌ يتّكل على نفسه، شعبٌ يملك ألف حلّ لمئة معضلة، عدم الانتظار ينقذهم من الإحساس بالخيبات المتتالية من دولة تعدهم ولا تفي، دولة تأخذ منهم بل تستنزفهم ولا تعطيهم أبسط حقوقهم كمواطنين!

 

والحديث عن ضغوطات فرنسية وأميركية لإنجاز عمليّة التشكيل بسرعة، نتمنى أن تثمر هذه الضغوطات فتولد حقيقة حكومة قادرة على إنقاذ لبنان، خصوصاً وأن الجميع يعتبرون أنّ هذه الحكومة هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان، هذا الشعب «مدرّب» على التمسّك بالحياة، وعيشها بالرّغم من كلّ ظروف القهر الكافية لإحباط العالم، وليس لبنان فقط، عاش اللبنانيّون بحكومات وبلا حكومات، بمراسيم جوّالة، وعاشوا بانقسام وبوهم وحدة، وعاشوا من دون رئيس جمهوريّة، وبحكومتيْن، وبجيشيْن، وكانوا على قدر كبير من المسؤوليّة، عاشوا بدولة لها هيبة، وفي دولة فقدت هيبتها، وعاشوا وكان هناك دائماً مواطنون تحت القانون وآخرون خارجون على القانون، وعاشوا بوعد ثورة ثم بخيبة ثورة، وعاشوا بـ»كورونا» وسيعيشون بسواه، العيش طينة اللبناني وعجينته وتفاؤله خميرتها، مهما كانت التعقيدات من حولنا.

 

من الطبيعي أن تغلب علينا مخاوفَ متشائمة خصوصاً عندما تعود خيالات المحاصصات الوقحة، خصوصاً وأننا على يقين أنّ ما يحدث في لبنان وللبنان هو «فرطٌ للبلد» و»إجهازٌ» عليه لصالح أجندة إقليميّة، وما يفعله حزب الله هو نفس ما كان يفعله النظام السوري الذي اختطف «الورقة اللبنانيّة» ليستغلّها في مفاوضاته مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد عام 1993 تحت عنوان «وحدة المسار والمصير»، من دون هذا العنوان «النظام الإيراني» يختطف لبنان «ورقة» يضغط بها على الأميركي في انتظار نتائج الانتخابات بين دونالد ترامب وجو بايدن، وكأنّ جو بايدن سيقدّم المنطقة برمّتها لإيران ومرشدها وحزبها!

 

يستحقّ اللبنانيون أن يحصلوا بعد عام من المَرْمَرة أن يحصلوا على حكومة تنهض بأعباء إنقاذ لبنان وانتشاله من حالة الانهيار التي بلغها، يُحسب للرئيس سعد الحريري تقدّمه في كلّ مرّة لتلقّي كرة النار اللبنانيّة وبدلاً من وضع الأيدي في يده توضع في طريقه عثرات كثيرة، هذه المرة العثرات هي في طريق لبنان وشعبه الذي لم يعد بإمكانه دفع أثمانها الثقيلة.