IMLebanon

الحرب على إيران.. والنظام العالمي الجديد

 

 

عملت إسرائيل منذ نشأتها، على إحاطة نفسها، بقوة عسكرية تستطيع من خلالها، تأمين تفوّق استراتيجي يحفظ لها هيبتها الرادعة في المنطقة. ومنذ توليه رئاسة الوزراء في إسرائيل للمرة الأولى عام 1996، وحتى الحكومة الأخيرة التي شكّلها عام 2022 فأن شعار نتنياهو بقي هو نفسه ولم يتغيّر: «ان إيران هي الخطر الفعلي على إسرائيل ويجب تدمير برنامجها النووي».

واليوم في عدوانها الأخير على إيران، سقطت هذه الهيبة ، حيث ظهر منذ اليوم الأول اللهجوم الإسرائيلي، والردّ الإيراني الذي أعقبه، أن آمال إسرائيل بتحقيق النصر في الميدان دونه عقبات عديدة، ومع تصاعد حدّة المواجهات، أدركت إسرائيل أن أهدافها التي كانت تأمل في تحقيقها من هذه الحرب، وهي ضرب القدرات النووية الإيرانية، وإسقاط النظام تبخّرت، وأن إيران كانت في جهوزية تامة، و استطاعت منذ اليوم الأول أن ترسم المشهد، بما يلائمها من الاستراتيجيات والتكتيكات المناسبة، والتي جعلت العدو يقف أمام الحائط المسدود يتفرّج على دفاعاته الجوية التي يفاخر بها عاجزة عن التصدّي لموجات الصواريخ الإيرانية، وهي تتساقط في كل أنحاء فلسطين المحتلة مستهدفة مواقع استراتيجية، تشكّل عصباً حسّاساً في أمن إسرائيل، واقتصادها، ملحقة بها دماراً هائلاً.

 

كل ذلك جعل الولايات المتحدة تدرك إن إسرائيل غير قادرة على حسم المعركة وحدها، وأن استمرارها بمفردها، لن يجلب لها إلّا المزيد من الخسائر، فكان أن قررت الدخول في المعركة، فأرسلت سرباً من طائراتها الفائقة التطوّر لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، واضعة المنطقة، ومعها العالم كله أمام مصير مجهول.

لم تستطع الغارات الأميركية تحقيق أهدافها، وهذا ما ثبت من تصريح الرئيس الأميركي ترامب، والذي ادّعى أولاً انه تمَ تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، إلّا انه في الوقت نفسه دعا إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات بدون أي قيد أو شرط، ما طرح السؤال التالي: لماذا الدعوة إلى المفاوضات مجدّداً، ما دامت المنشآت المطلوب تدميرها، قد دُمّرت؟

لم تتأخّر إيران في استيعاب الضربة، وأعلنت سريعاً أنها ستردّ. وهي نفّذت تهديدها بضرب القواعد العسكرية الأميركية في قطر. وبالرغم من محدودية الضربة، فأن الولايات المتحدة استوعبت الموقف جيداً، وأدركت أن تطور المواجهات سيؤدي حكماً إلى حرب إقليمية شاملة، الأمر الذي يهدّد مصالح أميركا في العالم، خصوصاً أنه ما زال في جعبة إيران أسلحة لم تستعملها بعد، وهي تحمل المزيد من الفعالية القتالية، والتي لن تجلب لكيان العدو إلّا المزيد من الارهاق، وصولاً إلى انهياره في مرحلة لاحقة. كما أنه هناك مخاوف من قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز، والذي يعبر منه خمسي نفط العالم في طريقه إلى آسيا، أوروبا والولايات المتحدة، ما يؤثّر على الاقتصاد العالمي عموماً، والأميركي خصوصاً.

ومن هنا جاءت مسارعة الرئيس الأميركي للإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه بين طرفي القتال، بمساعٍ أميركية – قطرية. وهذا يعني تراجعاً في الموقف الأميركي، والذي يعكس رغبة الإدارة الأميركية في عدم توسيع الحرب، والتي تشكّل ان استمرت ضرراً بالغاً في المصالح الأميركية في أكثر من منطقة في العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد الإعلان عن وقف لإطلاق النار:ماذا لو لم تصمد إيران وسقط النظام، كما سقط في سوريا، ماذا كانت النتيجة؟. الجواب هو أنها كانت ستدخل في حروب داخلية مستمرة دون سقف زمني لنهايتها. هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الإقليمي والدولي، فأن المشهد الجديد، كان سيؤدي إلى إعادة رسم خريطة العالم الخارجي بأسره بما يتلاءم مع المصالح الأميركية – الإسرائيلية.

وإطلاق يد الولايات المتخذة في التحرك المنفرد في إدارة شؤون العالم، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط، ورفض الاتفاقيات الدولية، وأي تعاون دولي يعيق السياسة الأميركية، والمصالح الإسرائيلية، واستخدام أساليب الحروب، كأداة سياسية لمواجهة التهديدات التي تقف بوجه الولايات المتحدة، وإزالة أهم عامل كبح للإسراتيجية الأميركية، والتي هي إيران بعد العراق وسوريا، والعمل دون ظهورها كقوة إقليمية مرة أخرى مناهضة للمشروع الإسرائيلي.

 

* كاتب وصحافي من لبنان