IMLebanon

فعلتها نيجيريا.. فمتى لبنان؟

فعلتها نيجيريا.. وأجرَت الانتخابات الرئاسية بسلاسة وديموقراطية. البلد الممزّق بالاضطرابات نجَح في إجراء انتخاباته، والبلد الذي ننظر إليه اليوم على أنه أقلّ شأناً من ناحية العملية الديموقراطية تخطّانا بأشواط وتفوّق علينا بإجراء انتخابات تقبّل فيها الخاسر النتائج من دون معارك دموية.

فوز الرئيس النيجيري الجديد محمد بخاري (72 عاماً) القادم من رحم المعارضة، يمثّل تحولاً ثورياً بالفعل، وفق جريدة «الغارديان» البريطانية التي أشارت إلى أنّ الشعب النيجيري «صَوّت من أجل التغيير، وجاء بحاكم عسكري سابق واقعي يسعى لمعالجة المشاكل التي تهمّه مثل الفساد وانعدام الأمن، ومن ثم فإنّ الآمال المعلقة عليه كبيرة».

وبعيداً عن معادلة «النزاهة والفساد» في الانتخابات التي شهدتها نيجيريا، فإنّ الأهم أنّ المتنافسين أسّسوا لتجربة ديموقراطية رائدة في أفريقيا، وقدّموا من هذه القارة المليئة بالانقلابات درساً في أصول الانتخابات والتسليم بالخسارة.

يدفعنا هذا الموضوع الى النظر بحسرة إلى حالنا وممارساتنا الديموقراطية التي تمنعنا حتى اليوم من تحقيق أيّ عملية ديموقراطية، إن على صعيد الانتخابات الرئاسية أو على صعيد الانتخابات النيابية. ونلقي إخفاقنا دائماً على شمّاعة التخوّفات الأمنية، والحرص على السلم الأهلي.

استطاعت نيجيريا أن تنظّم انتخابات رئاسية هادئة، اعترف الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان إثرها بهزيمته في الانتخابات الرئاسية مهنّئاً الرئيس الجديد مُجنّباً البلاد خضّات أمنية حقيقية، مقدّماً درساً في الديموقراطية للحكام العرب. والأهمّ أنه أعطى درساً للبلدان التي تتخوّف من إجراء الانتخابات، ومنها لبنان، وترفض الاحتكام الى صوت الشعب.

لا زلنا في لبنان ننتظر الإيعازات الخارجية رافضين الاحتكام الى الشعب مباشرة، وقد باتَ نظامنا الديموقراطي في مهبّ الريح، بعدما نجحت بلدان، محكومة بأنظمة عسكرية، في العملية الديموقراطية، في حين فشلنا نحن في ذلك.

يحملنا هذا إلى التفكير بقانوننا الانتخابي الذي لم ننجح حتى اليوم بإجراء إصلاحات جذرية عليه، وأبرزها:

1 ـ هيئة مستقلّة لإدارة الانتخابات وتنظيمها، تنظيم الإنفاق الانتخابي، تنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين، خفض سن الاقتراع من 21 سنة إلى 18، اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية (في الانتخابات النيابية)، تشجيع ترشّح النساء عبر إدخال الكوتا النسائية في لوائح الترشيح، تطبيق الإصلاحات اللازمة لتسهيل اقتراع الناخبين ذوي الاحتياجات الإضافية، التمثيل النسبي، اعتماد لوائح الاقتراع الرسمية المعدّة والمطبوعة سلفاً من الهيئة المستقلّة لإدارة الانتخابات وتنظيمها منعاً لتلغيم اللوائح، إعطاء حقّ الاقتراع للعسكريين.

إنّ النواب الذين اعترضوا على الإصلاحات المطلوبة معروفون بالأسماء ومستمرّون بولايتهم وتمثيلهم. والإصلاحات المطلوبة لا تتعارض مع شكل القانون وطريقة تقسيمه والحصص. هي إصلاحات بديهية تدلّ على التزامنا الحقيقي بالعمليات الديموقراطية. ولا بدّ من الإشارة إلى أنه يجب إقرار قانون يشمل هذه الإصلاحات بقطع النظر عن القانون الجديد، فهذه الإصلاحات ضرورية حتى لو عدنا الى قانون الستين، وهي دليل واضح على اقتناع النواب أنفسهم بنيّة نقل لبنان الى الديموقراطية الحقيقية بدلاً من ديموقراطية التعايش الطائفي.

واللافت أنّ نيجيريا اعتمدت على البصمة الالكترونية لإجراء الانتخابات لتجنّب التزوير وتسريع العملية الانتخابية، وهذا نظام يجب أن يفكر لبنان باعتماده، فهو يوفر الكثير من المصاريف الإضافية والتزوير والتأخير، كما يُسهّل على المغتربين الاقتراع بسهولة.

أمّا بالنسبة للانتخابات الرئاسية، فما زلنا نصرّ على رفض الاحتكام الى الشعب، الى صوت المواطن الذي هو فوق السلطات كلها وهو مصدرها، معلّلين بعدم قدرتنا على إجراء تعديل دستوري.

أليس الاستماع الى صوت المواطن اللبناني ورغبته الحقيقية في اسم مرشّح لتوَلّي منصب الرئاسة هو صفوة العملية الديموقراطية وتحرير لتلك الانتخابات من التجاذبات الإقليمية؟ فلنستمع الى ما يريده المواطن اللبناني. لقد فعلتها نيجيريا، فلماذا نحن عاجزون عن فِعل ذلك؟

لقد أبقينا عمليتنا الديموقراطية رهينة مخاوف السلم الأهلي. لم ينفجر الوضع في نيجيريا عند فوز مرشح المعارضة، ولن ينفجر الوضع في لبنان إذا اختار الشعب مرشّحه لرئاسة الجمهورية.

عدّلنا الدستور من أجل التمديد ويوجد في مجلس النواب الكثير ممّن صَوّتوا لتعديل الدستور ومن محترفي التمديد لأنفسهم ولسواهم.

نعم الفراغ الحاصل اليوم هو دليل واضح على عجزنا في تبنّي الفكر الديموقراطي، والاستماع الى صوت الشعب.