IMLebanon

لا يُفتى… والسنيورة في الدار!

في وقت كان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان يزور مصر، بدعوة رسمية، كان فريقه في عائشة بكار يمحو آخر أثر للمبادرة المصرية التي جاءت به مفتياً توافقياً. بوحي من «المرشد الروحي» فؤاد السنيورة، مجلس عمر مسقاوي باقٍ، وعشرات المشايخ، من «غير الأصدقاء»، راحلون

 

آخر بنات أفكار الرئيس فؤاد السنيورة، في دار الفتوى، التمديد مجدداً للمجلس الشرعي الأعلى برئاسة عمر مسقاوي (تنتهي ولايته الممددة في 30 حزيران المقبل) واستبدال الدعوة الى انتخاب مجلس جديد بالدعوة الى انتخاب مجالس إدارية لدور الإفتاء في المناطق. هذه المجالس تشكل نسخة مصغرة عن المجلس الأعلى. كل منطقة فيها مفت ودائرة أوقاف، يكون فيها مجلس إداري يترأسه المفتي. ويساهم أعضاء هذا المجلس لاحقاً في انتخاب أعضاء المجلس الشرعي. من هنا، يطهو السنيورة، وتيار المستقبل من ورائه، على مهل، طبخة المجالس الإدارية كما طها تسمية الشيخ عبد اللطيف دريان، مفتياً توافقياً. وهكذا يحكم «فضيلة» السنيورة قبضته على كامل الدار.

 

حتى الآن، لم يحدد دريان موعد انتخاب المجالس الإدارية. لكن التحضيرات جارية بطريقة تفضي إلى نتيجة مفصّلة على قياس «الحزب الحاكم» في عائشة بكار. تشير مصادر في دار الفتوى إلى أن المدير العام للأوقاف الشيخ هشام خليفة أصدر لوائح الشطب «على نية» الدعوة الى انتخاب مجلس شرعي جديد بعد الاستقالة المفترضة لمجلس مسقاوي، كما استقال مجلس المفتي محمد رشيد قباني في أيلول الفائت عملاً ببنود المبادرة المصرية. «مجلس قباني» استقال و»أكل الضرب». فيما اختفى، منذ تسلم دريان الدار قبل أربعة أشهر، الحديث عن استقالة مجلس مسقاوي حتى بات المفتي نفسه يحضر اجتماعاته شخصياً، وبالتالي لم يعد من مبرر لتطيير المجلس الموالي بالكامل للسنيورة.

ولكن ماذا عن لوائح الشطب الجاهزة؟ اقترح رئيس الحكومة السابق استخدامها لانتخاب مجالس إدارية في المناطق. أولى لمسات السنيورة عليها شطب أعضاء مجلس قباني المستقيل من اللوائح. ثاني اللمسات إحياء مشروعه الذي أقره الرئيس رفيق الحريري عام 1996 بتعديل الهيئة الناخبة. حان الوقت للاستفادة من المشروع في الانتخابات الفعلية الأولى التي تنظم بعد سنوات من التعيينات. الهيئة تشمل أعضاء المجلس الشرعي الأعلى بحسب مناطقهم، وموظفي الأوقاف والمجالس الإدارية والقضاة السنّة المدنيين والشرعيين الحاليين والسابقين، وأعضاء مجالس البلديات السنّة بحسب المنطقة، وأئمة المساجد والخطباء… ولكن ليس كل إمام وخطيب. إذ يشترط المشروع أن يكون هؤلاء حصراً من الحائزين شهادة في الشريعة، إما من كلية الشريعة التابعة للدار، أو من سوريا أو مصر أو السعودية، وأن يكونوا موظفين في ملاك دائرة الأوقاف. علماً أن قلة من الأئمة والخطباء من خريجي الدول الثلاث. فمعظمهم درسوا في المعاهد والكليات اللبنانية ونالوا شهادات عليا. ورغم أن هذه الكليات والمعاهد مرخصة من قبل الدولة، إلا أنها ليست مرخصة عند السنيورة.

ماذا يعني إسقاط حق هؤلاء في الانتخاب؟ توضح المصادر أن الهيئة الناخبة لا تتقلص عددياً فحسب، بل نوعياً أيضاً لناحية انتماءات الأئمة والخطباء السياسية. على سبيل المثال، لم يعد لخريجي كلية الإمام الأوزاعي الشرعية مكان في الانتخاب. بالتالي لا يعود للأحباش مكان لأن معظم مشايخهم درسوا في هذه الكلية. خريجو كلية الشيخ عبد الناصر جبري (جبهة العمل الإسلامي) أيضاً سيلقون المصير نفسه، وكذلك خريجو جامعة الجنان التي أسسها الشيخ الراحل فتحي يكن. هذا الشرط قلّص عدد الناخبين الى حد كبير. في صيدا، على سبيل المثال، يستطيع ثلاثة مشايخ فقط الاقتراع من أصل 30 إماماً وخطيباً (عدد المساجد المسجلة في الأوقاف 30). في الشمال، الحرج أكبر. عدد المشايخ، فاقدي حق الانتخاب، كبير جداً، ومعظمهم مقرب من الرئيس نجيب ميقاتي أو الوزير محمد الصفدي أو التيارات الإسلامية.

ماذا عن الجماعة الإسلامية؟ تؤكد المصادر أن الجماعة «مظبطة وضعها» مع حليفها تيار المستقبل: ليس لديها مشايخ في ملاك الأوقاف. المساجد التابعة لها خاصة، وأئمتها وخطباؤها غير مسجلين في الملاك. فيما لديها عدد قليل جداً من الموظفين. مع ذلك، تجري الاتصالات لحفظ حصتها. وفي هذا الإطار، سجلت، قبل يومين، زيارة الشيخ مصطفى الحريري للنائبة بهية الحريري، ضمن جولة على المرجعيات الصيداوية. الشيخ صهر القيادي في الجماعة موفق الرواس القريب من «الست بهية» ودريان، وتسوّقه الجماعة لرئاسة أوقاف صيدا مقابل دعم المستقبل في انتخابات المجلس الشرعي.

في المقابل، كيف تتحضر الفعاليات القريبة من قوى 8 آذار التي «أكلت الضرب» أيضاً؟ المصادر لفتت إلى تباين بين داعٍ للمقاطعة بسبب النتيجة المحسومة سلفاً لصالح فريق السنيورة وبين مصرّ على إثبات الوجود.

«الحزب الحاكم» في عائشة بكار يوزع الأدوار بين أقسام الدار. مستفيداً من وصايته باسم المستقبل، ومن تقدير دريان لفضله في وصوله الى دار الفتوى، ينصّب السنيورة رجاله حول المفتي متخذين صفة المجلس الاستشاري، ومن بين هؤلاء رضوان السيد ومحمد السماك وغيرهما… على أن يتممه لاحقاً بأعضاء مختارين بعنايته للمجلس الشرعي المستقبلي. حتى ذلك الحين، يعمل على خط استبدال مدير عام الأوقاف بشخصية مدنية كما جرت العادة سابقاً بتعيين محام او مهندس.

هذه الورشة تضع الدار فعلياً في قبضة السنيورة، بحسب نائب رئيس المجلس الشرعي المستقيل ماهر صقال. فهل كانت الدار في عهد قباني بعيدة عن نفوذ المستقبل قبل الخلاف معه؟ احتفظ قباني بقول «لا» في المحطات المفصلية، يؤكد صقال. ويستعرض القضايا العالقة بين الأوقاف وشركة سوليدير التي تتخلف منذ سنوات عن دفع بدلات الإيجار عن عقارات ومبان تشغلها في وسط بيروت، فضلاً عن تخلفها عن تنفيذ وتمويل مشاريع عدة اقترحها قباني. ويرجح أن كل الملفات العالقة ستسوّى بـ سحر ساحر» في العهد الحالي. لكن «التحدي الأخطر» الذي يظهر تدريجياً، برأي صقال، هو «دخول العلمانية إلى الدار من خلال التعديلات المقترحة على المرسوم الاشتراعي رقم 18 بما يسحب صلاحيات أساسية من المفتي ويكفّ يده ويحوله إلى رجل دين فقط، وليس راعياً لشؤون الطائفة ثقافياً وتربوياً ومادياً». صقال الذي أعلن تشكيل تيار معارض، يئس من تحقيق المساواة والشراكة في الدار. «مجلس مسقاوي دخل في شهره الرابع خارج التسوية المصرية التي قضت باستقالته كما فعل مجلس قباني» يقول، جازماً بأن دريان «واقع تحت الضغط». ويشير إلى أن «الانقلاب» لا ينفذ في عائشة بكار فحسب. أخيراً، قرر دريان حل مجلس العمدة في «مؤسسات محمد خالد الاجتماعية» التي كان يترأسها نبيل بدر (الوسيط بين قباني والرئيس سعد الحريري خلال المفاوضات)، والعمل جار لتأليف مجلس جديد يستبعد منه من لا يرضى عنه «فضيلة» السنيورة.

المال القطري

 

في أقل من شهرين، زار مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان السعودية وقطر وأخيراً مصر. تجزم مصادر من داخل الدار أن هذه السفرات منسقة مع الرئيس فؤاد السنيورة. وفي مواقفه الأخيرة، عكس المفتي مواقف الأخير، لا سيما في قطر وخلال افتتاح مسجد السلطان يعقوب في البقاع الغربي عندما هاجم حزب الله وأفتى بحرمة السلاح في الداخل. جزء من أهداف السفرات، بحسب المصادر، طلب الدعم المالي لمؤسسات ومشاريع الدار، لا سيما من قطر بعد أن تقلص المال السعودي والإماراتي. الاكتفاء الذاتي مالياً، بمساعدة الأصدقاء، يمكّن من «تنظيف» الدار ممن تبقّى من شخصيات محسوبة على قوى 8 آذار.

 

تحت التفتيش

 

تلقى دريان، عشية سفره إلى مصر قبل أيام، مقترحاً لإجراء تشكيلات شاملة في مساجد بيروت، تشمل تغيير أئمتها وخطبائها وخدامها. تداعيات المقترح منعت دريان من التوقيع عليه، طالباً من السنيورة استمهاله إلى ما بعد عودته إلى لبنان. الجدل الذي يثيره نقل إمام من منطقة أسس فيها شبكة علاقات إلى منطقة أخرى، ستدفع بمعظم المشكَّلين إلى طلب المساعدة. ومن أفضل من باب السنيورة لكي يُدقّ؟ وهو سيُدقّ كثيراً في الأسابيع المقبلة بسبب الإجراءات الشديدة التي يقوم بها المفتش في الدار الشيخ أسامة حداد الذي يستدعي المشايخ والموظفين المحسوبين على قباني إلى التحقيق. المدير العام للأوقاف الشيخ هشام خليفة لم يكن في منأى عن «تفتيش» حداد، على غرار شيخ قراء بيروت محمود عكاوي المقرب من الرئيس نجيب ميقاتي. التضييق على هؤلاء سيدفعه، أيضاً، الى دق باب السنيورة الذي عيّن حداد في التفتيش بعد أن روج له في البيوتات البيروتية الكبيرة حتى وُصف بـ «شيخ العائلات المخملية». علماً بأنه كان قريباً من السوريين قبل أن يتبرأ منهم إثر خروجهم من لبنان عام 2005.