IMLebanon

لا سلام مع مجانين الحكم

ـ ١ ـ

هي لحظة التهام وانتقام…

يغيب السلام الاجتماعي كما لم يغب من قبل، وفي أشد العصور ظلاماً وتحت سطوة الاستعمار، أو أهواء وغوايات سايكس بيكو، أو حتى في ظل حروب عالمية أو إقليمية…

يمكن أن تشتعل حرب أهلية في بلد مثل لبنان لأن السعودية تريد «ثمناً» لمعوناتها، أو أن يُسجن أديب في مصر لأن سلطة تريد استعادة «الضبط» لكل الذين يريدون ويفكرون باختلاف عنها…

يمكن أيضاً أن يحرق الحكام بلادهم بمشاركة منافسيهم على السلطة كما حدث في سوريا وليبيا والعراق، أو أن تشتعل بلد مثل اليمن لأن أمراء التأسيس الثاني في مملكة آل سعود يريدون أن يمحو وجود خصمهم الإيراني…

كما لم يعد محرماً إعلان «حرب مذهبية» طالما هناك قناع يصلح لإخفاء الجنون الكامل بالسلطة… والسيطرة عبر المال والسلاح وما بينهما من استخدام كل الأدوات للوصول إلى نشوة الالتهام والانتقام…

ولهذا لم يشعر أحد أن القمة العربية تأجلت… «لعدم توفر أسباب نجاحها».. كما أعلن المغرب، البلد المضيف، في إطار خوفه من تحول القمة إلى «مجرد مناسبة لإلقاء الخطب..»..

المغرب لم تعلن عن موعد جديد، بينما الجامعة العربية قالت إنه سيكون في نيسان (إبريل) بدلاً من آذار (مارس)، والأهم أنها كشفت أن طلب التأجيل قدمته السعودية…

من جديد «الوقت غير مناسب» إلا لنزعات توحش تلتهم حتى البروتوكلات أو الواجهات الأنيقة…

حفلات الخطابة لم تعد مهمة، كما أن التحالفات القديمة فقدت قدرتها على التأثير، في ظل «التصحر» الذي يقوده أمراء وجنرالات الالتهام والانتقام على حساب السلام الاجتماعي.

ـ 2 ـ

في هذه الصحراء… أصبح الفرد فريسة النواهش…

من المواطن الذي لم تعد اتفاقات الطوائف تحميه في لبنان، إلى السوري في عصر الشتات، والمصري الذي يمكن أن يُقتل بسلاح «أمين شرطة» أو يُعذب بأوامر ضابط أو قرار من أية مؤسسة هدفها حمايته وحماية سلامه الاجتماعي… حيث لا اتفاق أو اجتماع على «الحياة المشتركة».

عشنا سنوات تحتكر فيها السلطات في الجمهوريات والممالك تحقيق «السلام الاجتماعي»… هي وحدها ملهمته وحافظته، بقوة «امتصاصها» لقدرات المجتمع الحيوية.

الآن هذه السلطات هي الخطر الأكبر على هذا السلام الاجتماعي… وعلى الحياة عموماً.

هذه المجموعات المغلقة التي تسيطر على الحكم بقوة المال والسلاح وقدرتها على ترويض الناس، تفتقد من المحيط إلى الخليج القدرة على استعادة ما فقدته من «الهيمنة» على الأوضاع مكتفية بأوهام «السيطرة»، حتي لو أحرقت كل شيء لكي يثبت الزمن عند لحظة البلادة العمومية..

ولهذا ليست مصادفة ولا هو أمر عابر أن الخبر الأول في مصر بعد خبر الحكم بالسجن المؤبد على طفل في الرابعة، هو سجن أديب على روايته بتهمة «خدش الحياء العام»..

كما ليست مصادفة أن اسم الرواية «استخدام الحياة».

ـ 3 ـ

العقاب الذي ناله الأديب المصري أحمد ناجي، مؤلم إلى حد سيتجاوز حدود شخصه، ويصبح «وصمة» و «علامة» كما كانت محاكم التفتيش في اوروبا القرون الوسطي و المكارثية في أميركا الخمسينيات.

«الحبس سنتان»، أقصى عقوبة على «جريمة ليست جريمة» ظلت تتناقل مع «نخب الاستبداد الحاكمة» من الثلاثينيات إلى أن وصلت إلى العام 2016 لتجد من يستخدمها ويرسل بها رسائل إلى المجتمع المصري كله: نحن أوصياء علىكم… لا خروج عن حدود «الكتالوغ الرسمي».

رسائل تحاول إعادة «الضبط» الاجتماعي بعد محاولة المجتمع الإفلات من قبضة «الاستبداد الشرقي» الذي يعتمد كما الفاشية على تربية الفرد في مصانع الإذعان.

الحكم سابقة كارثية لا تخص فقط حرية الكتابة والإبداع… وأهل الكتابة والأدب، لكنها تخص «المجتمع» في محاولته لأن يعيش كاجتماع بشري حديث، بين أفراد بينهم اتفاق على حرياتهم وإرادة التغيير الى الأفضل وتطلع الى حياة أكثر قدرة على إنتاج لحظات مرحة وقدرات على مواجهة الجبابرة صناع الكآبة العمومية.

الدولة بجبروتها تسمح بالحبس على الكتابة وهذا من بقايا القرون الوسطى التي كانت الدول فيها تقبض على السلطة بقبضتها على المصائر، وتتحكم بالأرواح والعقول بالوصاية…. والدولة التعسة البائسة تركت لأشخاص منها يفكرون أنهم في حرب «الإخوان» لا بد أن يكونوا أنقياء… يحاربون كل اختلاف (يسمونها خدش حياء) ويسيطرون بغارات الفضيلة والأخلاق (مقاولات عمومية مثلها مثل مشاريع الإسكان الوهمية ومستعمرات المساكن الشعبية) وهنا تلمع أوهام التضحية بشخص لإثبات أن هذه الدولة عندها أخلاق.

هذا هو «مركز» القضية وكما تابعتها من أول لحظة، الى اللحظة التى وصلت فيها الى عقاب أحمد ناجي بالسجن ليكون عبرة للجميع، وفي هذا سيتفق ويتنافس المتنافسون على السلطوية من الدولاتيين إلى «الإخوان»… لكن تبقى الكارثة من صنع النظام الحالي الذي في طريقه إلى إعادة بناء «الهيبة» يحاول إعادة تربية الناس على محبة الحياة كقطعان تهوى الحياة في مستنقعات البلادة.

طلب وقف الحكم هو أول محاولة خارج الصدمة على كارثة حبس أديب على روايته، بقرار محكمة تعمل تحت دولة يقر دستورها بعدم جواز حبس كاتب أو فنان بسبب عمله الإبداعي…. (ببساطة لأن الفن والأدب والإبداع عموماً مجالات تحتمل اختلاف الأذواق والمعارف… بمعني أنه من حقك أن تكره رواية أحمد ناجي أو لا تعتبرها رواية من الأساس لكن ليس من حق أحد أن يحاكمها… وبقانون العقوبات…هذا سر المادة 76 من الدستور التي لم تقرأها المحكمة ولم تعرفها….)

الصدمة…أكبر من العواطف الغاضبة..

الدفاع عن حرية الاختلاف/ الإبداع/ التفكير…ليست ترفاً، لكنها أساس الحياة في بلد قد تفقد حياتك أو حريتك فيه لأن هناك من يعترض على طريقتك في الحياة أو الكتابة… وهذه «حرب أهلية باردة « يفرض فيها من يملك السلطة /أي سلطة طريقته وحياته وأفكاره، بقوة هذه السلطة سواء كان يحمل سلاحاً أو صلاحية لمحاكمة خارج الدستور، مصدر الحكم والذي يمنع في نسخته الحإلىة حبس الأدباء والفنانين.

هذه لحظات قاسية، في ظل هستيريا مطاردة الاختلاف وفرض السيطرة، ولو أدى ذلك إلى تدمير الدولة لذاتها… أو عبر أشخاص يخضعون لأهوائهم الشخصية يحركون بها مؤسسات وأجهزة مهمتها الأمن والعدالة وتحقيق سلم اجتماعي غائب الآن تماماً…