IMLebanon

لا معايير ولا تراخيص ولا رفق بالحيوان… رغم أنف القانون!

 

مجتمع   تحقيق    

 

التخلص من الحيوانات الشاردة، قتلاً وتسميماً، ليس إلا واحداً من وجوه الاساءة للحيوانات في لبنان. اللائحة تطول. تبدأ بقتل الضباع المخطّطة النادرة والصيد الجائر للطيور المهاجرة والمقيمة، ولا تنتهي بمحال بيع الحيوانات الأليفة التي راجت في السنوات الأخيرة. هذه الأخيرة لا تراعي الحد الأدنى من شروط إيواء الحيوانات بطريقة سليمة. إذ غالباً ما «تزرب» الحيوانات في أقفاص صغيرة لا تناسب أحجامها، وتعرض على جوانب الطرق معرضة لأشعة الشمس ولدخان السيارات وعبث المارين. فيما تغيب أي إجراءات رادعة من جانب وزارة الزراعة، رغم صدور قانون «الرفق بالحيوانات» عام 2017، بحجة انتظار صدور المراسيم.

«إقرار المراسيم يحتاج إلى ورشة كبيرة»، يقول مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة الياس ابراهيم، رغم وضوح بعض بنود القانون التي لا تحتاج الى مراسيم، كإغلاق محلات بيع الحيوانات التي تفتقد الى أدنى معايير الإيواء السليمة. يلفت إبراهيم الى أن الأمر «لا يتعلق بوزارة الزراعة وحدها، إذ ثمة مراسيم مشتركة مع جهات عدة منها قوى الأمن الداخلي والبلديات».

لا إحصاءات دقيقة لمحلات بيع الحيوانات وفق نائبة رئيس جمعية «حيوانات لبنان» ماغي شعراوي. تشير الى أن «بلدية بيروت، وحدها، تضم في نطاقها نحو 500 متجر لبيع الحيوانات، فيما أقل من 10 محلات في كل لبنان تستوفي المعايير القانونية». تؤكّد شعراوي أن إنفاذ مراسيم ترخيص محال البيع، يعني أن «معظم المحلات الموجودة اليوم ستقفل، لأن ليس لدى الجميع القدرة على الالتزام بالمعايير التي تبقيه مستمراً».

ومن بين المعايير التي ينصّ عليها القانون للحصول على ترخيص، «ألا يتخطى عدد الحيوانات في المنشأة ما تسمح به مواصفاتها ومساحتها»، وأن «تتوفر على تجهيزات مناسبة للتدفئة والإنارة والتهوئة والرطوبة»، وأن «تحوز شروطاً تمكن الحيوانات من التعبير عن سلوكها الطبيعي قدر المستطاع، وتؤمن الفصل الجسدي والبصري بين الحيوانات التي لا تتآلف معاً»، و«تأمين الإشراف الصحي الدوري على الحيوانات بواسطة طبيب بيطري»، و«مسك سجلات بمصادر الحيوانات المعروضة»، و«زرع رقائق إلكترونية تعريفية بواسطة طبيب بيطري في الحيوانات المعدّة للبيع»، إلى معايير أخرى ينبغي أن تفصّلها المراسيم المنتظرة.

 

أقل من 10 محلات لبيع الحيوانات في كل لبنان تستوفي المعايير القانونية

 

تشير شعراوي إلى دور أساسي للبلديات في القانون العتيد. إذ يحمّلها مسؤولية وضع خطة للتعامل مع الكلاب الشاردة وتأمين أمكنة لإيوائها. وبحسب التقديرات، هناك 35 ألف كلب في لبنان، بمعدل 3.5 كلاب للكيلومتر المربع الواحد، «وهذا العدد قليل مقارنة ببلدان أخرى. لكن المشكلة هنا أن أصحاب الكلاب يرمونها في الشارع بعد فترة من اقتنائها». توضح شعراوي أنه «بعد موضة شراء الكلاب التي راجت في السنوات الأخيرة من دون الالتفات الى ما يتطلبه اقتناء الكلب من عناية ومصاريف، عمد كثيرون إلى رمي كلابهم في الشارع». لذلك ينص القانون على ضرورة أن تعتمد البلديات نظام microchipping، أي زرع رقاقة الكترونية لكل كلب (أو حيوان) يباع تحمل اسم صاحبه وسجلّاً باللقاحات التي تلقّاها. ويتيح ذلك الوصول الى صاحب أي كلب يُترك في الشارع وتغريمه. إذ ينص القانون على تغريم «من يقوم عمداً بتسييب كلب أو هر أو التخلي عنه من دون إعلام الوزارة من أجل إيجاد حارس أو مأوى آخر له». كما أن على البلديات معالجة مشكلة الكلاب الشاردة، ولكن «بطريقة حضارية عبر جمعها وخصيها وتلقيحها وإعادة إطلاقها». تلفت شعراوي الى جانب سلبي آخر لمشكلة النفايات التي تستقطب الحيوانات وتزيد خصوبتها. وتوضح أنه «في آب الماضي، وبناء على طلب البلدية، جمعنا عدداً كبيراً من الكلاب الشاردة في منطقة أرض جلول في الطريق الجديدة. لكن سريعاً ما حلّ قطيع آخر من الكلاب محلها بسبب وجود مسلخ غير قانوني في المنطقة».

في 16 آب 2017 أقر مجلس النواب «قانون الرفق بالحيوانات» بعد نحو 9 سنوات من نضال قانوني خاضته جمعية «حيوانات لبنان» بالتعاون مع وزارة الزراعة. لكن حتى اليوم لم تصدر مراسيمه التطبيقية التي أخذت الجمعية على عاتقها مهمة كتابتها والتنسيق مع الوزارات المعنية بدلاً من وزارة الزراعة، «للتعجيل ببتها. وهو ما أخذ الكثير من الوقت والبحث الذي يراعي السياق اللبناني وينسق مع كل الوزارات المعنية»، وفق الرئيس التنفيذي لجمعية حيوانات لبنان جايسين ماير. رغم ذلك، يبدي ماير تفاؤله «إذ أصبح لدينا قانون في هذا الشأن، وهذا أمر جيد في بلد يعاني اضطرابات على أكثر من مستوى». كما أن هناك تحوّلاً مجتمعياً ملحوظاً في شأن التعامل مع الحيوانات، «فقبل عشر سنوات كان الناس يسخرون ممن يقتني كلباً وأحياناً ينظرون إليه كشخص غريب الأطوار، وكانوا يستسهلون استعمال القسوة مع هذه المخلوقات باعتبارها حيوانات! اليوم اختلف الأمر بدرجة مقبولة»، مذكراً بحادثة تسميم الكلاب في بلدية الغبيري قبل أشهر، والتي لقيت استنكاراً عاماً رسمياً وشعبياً.