IMLebanon

لا حرب!

 

هذه معركة مقموعة، ولن توصل إلى حرب صاخبة.. وتخوضها إسرائيل من باب الاضطرار وليس القرار. ومن باب متابعة الأداء الذي اعتمدته بالتقسيط المريح في سوريا نفسها قبل لبنان.. حيث استمرأت التصدّي والتعرّض لما تعتبره خطراً تسليحياً واستراتيجياً عليها من دون أن تتكلف شيئاً كبيراً موازياً! ومن دون أن تتعرّض لمسار “الإنجازات الإلهية” التي يسجّلها عدوّها “حزب الله” هناك، والتي تعني في الشكل والمضمون، وفي واقع الحال وزبدته، إنجازات لها ما كانت لتحلم بجزء يسير منها!

 

أي أن ضرب “الأنفاق” المكتشفة يُكمل ضرب المواقع والقوافل والقواعد التابعة لإيران و”حزب الله” في سوريا. والأمران يندرجان في سياق معادلة لا يريد أي طرف كسرها الآن: معارك متفرّقة لكن لا حرب شاملة! لا إسرائيل تستطيع أن تنفي استفادتها القصوى من الستاتيكو الذي فرضه القرار 1701 وأنتج حالة هدوء لم يسبق لها مثيل منذ العام 1948. ولا “حزب الله” يستطيع أن ينفي التزامه التام مقتضيات ذلك القرار، بما يعنيه من تحوّل الجبهة الجنوبية إلى وضعية مشابهة لتلك النائمة والمقفلة في الجولان السوري بدلاً من حصول العكس رغم الضجيج الذي تنامى إعلامياً.. وبقي هناك!

 

والطرفان معنيان بأمور أخرى: إسرائيل معنية مثل الولايات المتحدة بالمركز الإيراني أكثر من فروعه.. وبمآلات المواجهة المفتوحة حصارياً وعقابياً، وكيفية تطوّرها وانعكاساتها على وضع النظام في إيران عموماً وليس على أدائه وسلوكياته فقط.. و”حزب الله” معني بمتابعة التركيز على “جبهاته” اليمنية والسورية، وإلى حدّ ما العراقية، وبمعاركه التي يخوضها بالنيابة عن إيران، ضدّ دول الخليج العربي خصوصاً و”محور” الأكثرية الإسلامية عموماً..

 

ثم أن الطرفَين المباشرَين محكومان في قضية الخروج إلى الحرب، بتحالفاتهما الأولى: لا إسرائيل، يمكنها أن تتصرّف من دون موافقة أميركية واضحة ليست متوافرة راهناً، ولا “حزب الله” يمكنه ذلك من دون موافقة أكيدة من طهران.. وهذه بدورها ليست متوافرة راهناً أيضاً برغم القرارات المعاكسة المبنية على “استحضار” الجنرال قاسم سليماني من “غيابه” الواضح عن المشهد!

 

الضجيج كبير لكن الحقيقة في مكان آخر.. وليست أمراً مأنوساً القراءة بالمقلوب والتغافل عن حقيقة أن إيران التي تقيس الأمور وفق مصالحها التامّة ومن ضمن سلوكياتها “الأولى”، تعتمد “سياسة إسفنجية” إزاء الحملة الأميركية الضارية عليها، وتحاول قدر الإمكان امتصاص تداعياتها وليس التصعيد في مواجهتها، ولا الذهاب في “مشاوير” لا يمكنها العودة منها بسهولة.. تخوض نصف مواجهة وعلى البارد إذا صحَّ التعبير، وتعرف أن فتح معارك جانبية لن ينفعها بشيء بل سيؤدي إلى “تجميع” الكل ضدّها! فيما هم حتى الآن ليسوا كذلك! أو هذا ما تدلّ إليه وعليه المواقف الأوروبية المتمنّعة عن التماهي مع قرارات الرئيس دونالد ترامب إزاءها.. ثم إن تلك المعارك الجانبية، على شاكلة “الحرب” في لبنان ستتمدد حُمكاً إلى سوريا وستكون أضرارها هناك ذات بُعد استراتيجي لا يُعوَّض، خصوصاً وأن الروسي حاضر لتعبئة الفراغ بما يناسب حساباته.. وهذه الحسابات في “اللحظة الحرجة” تفضّل إسرائيل على إيران و”نموذجها”! وتفضّل التحكّم الانفرادي بدل مقاسمة هذا التحكّم مع حليف مثل إيران متعب ومرفوض إقليمياً ودولياً (وحتى سورياً!)!

 

تُكثر إسرائيل من الضجيج في سياق تهويلي رادع للحرب وليس جاذباً لها، ودلالة ذلك أنها تُعالج “قضية الأنفاق” داخل حدودها وليس على امتداد تلك الأنفاق ولا عند مصدرها المدّعى في لبنان.. وهذا يعني بداهةً أن “الستاتيكو” القائم يهتزّ توالياً في سوريا ولبنان لكنه لا يقع.. حتى إشعار آخر!