IMLebanon

 أيها اللبنانيون… هل يضربكم “الحنين” إلى المتاريس؟!

قد لا يكون لائقا او مستساغا اتهام اللبنانيين بقصر الذاكرة في حقبة كهذه باتت فيه النصال تتكسر على النصال جراء التراكم الهائل لأزماتهم المتصاعدة، سواء التي صنعت في لبنان وبأيدي الطبقة السياسية التي لم يشهد لبنان مثيلا لها في تعميم الأفضال على ابنائه او تلك التي صنعها الخارج الاقليمي وصراعاته المتمددة اليه. ولكن الحاصل منذ هبوب العاصفة الخليجية على لبنان للمرة الاولى في تاريخ العلاقات السعودية – الخليجية مع لبنان بهذا التفجر الغاضب المخيف منذرا بمزيد من العزل الخليجي العقابي للبنان بسبب سياسات فريق داخلي بات يوجب مصارحة من نوع آخر تتصل بواقع مرضي لبناني يستعيد نفسه كلما لاحت بوادر تطورات من النوع الذي يضع اللبنانيين على محك الاختبار المصيري. نقول ذلك ونحن نعاين الانقسام العمودي الحاد الذي أفضى بعد اكثر من خمس سنوات من الحرب السورية نجا فيها لبنان من الفتنة الكبرى التي خشي الجميع ان تحرقه الى اعادة شدنا الى حقبات الانقسامات الكبرى التي لم تجف آثارها وتداعياتها عن واقع لبنان السياسي والاجتماعي والطوائفي والمذهبي حتى الان على رغم مرور حقبة نكاد نترحم عليها وكانت سمتها الاصطفاف السياسي العريض العابر للطوائف من ٢٠٠٥ حتى الامس القريب على رغم كل ما حملته من آلام وإحباطات وإخفاقات ومكاسب واختراقات سواء بسواء.

لعل كثرا لا يَرَوْن الآن موجبا لإثارة هذا الجانب من الواقع الشديد التأزم الذي يغمر البلاد ويتهددها بتداعيات ونتائج خطيرة بعدما زج بنا بعضهم في هذا الأتون الحارق لارتباطه بمحور اقليمي فيما عجز البعض الآخر عن منع تجاوز الخطوط الحمر التي كانت معروفة للجميع وسط التحولات الكبيرة التي عرفتها المنطقة في السنة الاخيرة على الاقل. ومع ذلك يتعين على اللبنانيين الذين لا يلامون ان طمست ذاكرتهم بفعل القمع المأسوي للأزمات التي تخضعهم لأقسى اليوميات في كل شيء، ان هذه الذاكرة تستبطن استعادات مذهلة لواقعات الانقسامات الكبرى كلما “دق الكوز بالجرة” في سياق ارتباط قوى داخلية بمحاور اقليمية، وهي حقيقة لا تعفي اي فريق او طائفة او مذهب من تبعة استحضار مناخات الانقسامات المؤدية الى الاهوال. هكذا احترق لبنان مرات ومرات منذ ما قبل الحرب الكبرى في 1975 وإبانها وبعدها، بل قبلها منذ نهايات الخمسينات والستينات من القرن الماضي. حكاية الانقسامات الكبيرة كانت دوما تفضي الى المتاريس الطائفية المتداخلة مع حروب المصالح الخارجية ولم يتبدل حرف بعد من هذه المعادلة ولو اختلفت الظروف وتبدل اللاعبون في الداخل والخارج. منذ ثورة ١٩٥٨، الى حقبة نهايات الستينات حيث اقتحم العامل الفلسطيني الواقع الداخلي عقب أيلول الأسود في الاْردن وسقوط الوطن البديل للفلسطينيين وانتقالهم الى لبنان لإقامة الدويلة البديلة من فلسطين، أخذ الانقسام اللبناني بعداً مدمراً وسقط اللبنانيون في اختبار الوحدة او التراصف خلف الدولة التي لم تكن مشروع دولة آنذاك بل دولة كاملة المواصفات، ومع ذلك لم تصمد في نهاية الامر امام تفجر الانقسام الداخلي الكبير والانشطار القاتل. بعد الأعوام الخمسة عشر من الحروب التي تداخلت فيها عوامل “الحرب الاهلية” وعوامل “حروب الآخرين” حل سلام الطائف ولكنه لم يستأصل اعتمال الانقسامات الجذرية التي برعت الوصاية السورية في توظيفها واستثمارها طمعا باحتلال مستدام للبنان. كان الخط البياني المنطقي في اي بلد طبيعي يفترض ان الانسحاب القسري للوصاية السورية عام ٢٠٠٥ سيحمل توحيدا حتميا للبنانيين اسوة بانسحاب الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب عام ٢٠٠٠. لا هذا ولا ذاك أديا الى تلك الأعجوبة، بل ان الانشطار الكبير بين ٨ آذار و١٤ آذار حول الدولة المرتجاة الى “مشروع” دارت حوله الصراعات العمودية والأفقية من كل حدب وصوب ولم يسلم لبنان من اختراقات دموية ان بحرب الاغتيالات وان بعملية ٧ أيار ٢٠٠٨.

خلال السنوات الاخيرة خاض لبنان احد ادق الاختبارات لمناعته حيال المخاوف المقيمة من فتنة مذهبية توقدها نيران الصراعات الاقليمية بل الاحتراب المذهبي الذي استباح دول المنطقة قاطبة. واذا كان يحلو لبعضهم ان يتحدث عن أعجوبة تجنب لبنان للحريق عقب تورط “حزب الله” في الحرب السورية وتداعياته الداخلية فان الثابت الذي لا يحتاج الى اثبات هو ان الاستقرار الذي طبع الواقع اللبناني كان ولا يزال نتيجة عوامل ثلاثة: مظلة دولية وارادة داخلية وتنامي القدرات العسكرية والامنية اللبنانية. كل ذلك يطرح بلحظة الآن على بساط المخاوف الصاعدة حيال انقسام طارئ حول الأزمة غير المسبوقة مع الدول الخليجية. لن يكون من الحكمة في شيء تجاهل خطورة مجريات تسلسلت منذ انفجار الازمة على “هوية القرار” اللبناني في الصراع بين السعودية وإيران وكأننا مجددا امام خطر استعادة معادلة ٥ ايار و٧ ايار ٢٠٠٨ حين قررت الحكومة مواجهة “حزب الله” فاذا به يغرز ذراعه المسلحة في بيروت. ولن يكون من الحكمة ايضا عدم الالتفات الى “السجل الطبي” للبنان في تجارب الانقسامات بين المحاور الخارجية. ولا نريد ان يأخذنا الذعر الى الظن بان لبنانيين باتوا يحنون الى المتاريس وهم في نعيم أزمة نفايات لم يعرفها أفقر بلد من بلدان العالم الثالث وما دون. فتيقظوا!!