IMLebanon

مخاطر المكابرة والمسايرة

 

 

بينما يؤكد خطاب القسم والبيان الوزاري مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، يواصل “حزب الله” التأكيد، عبر تصريحات متكررة لقياداته، على تمكنه من إعادة ترميم هيكليته العسكرية وتعزيز إمكاناته العسكرية عبر التصنيع محلياً.

 

 

 

ولا يتوانى “الحزب” عن المجاهرة برفضه القاطع لتسليم سلاحه، متمسكاً بما يُعرف بثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، ورافضاً أي مساس بسلاحه شمال نهر الليطاني. وهي مواقف تُعد تحدياً مباشراً لما كان قد أعلنه الرئيسان عون وسلام، كما تشكّل خرقاً صريحاً لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي شارك “الحزب” نفسه في التفاوض ووافق عليه، وعلى ترؤس جنرال أميركي للجنة الخماسية المكلفة الإشراف على تنفيذ الاتفاق.

 

 

 

وتكمن الخطورة الجوهرية في أن هذه المواقف تقوّي مبررات إسرائيل لمواصلة احتلالها للنقاط الخمس، وتنفيذ عمليات عسكرية تستهدف عناصر وبنية تحتية تابعة لـ “الحزب”. كما تُضعف هذه السياسات الموقف الرسمي اللبناني أمام المجتمع الدولي، لا سيما ضمن أروقة اللجنة الخماسية، في ظل تمسك “الحزب” بمنع الجيش من تنفيذ عمليات تفتيش أو مصادرة لمخازن السلاح شمال الليطاني.

 

 

 

في المقابل، لا تزال مواقف كل من الرئيسين عون وسلام حيال سلاح “حزب الله” حبراً على ورق، من دون أن تُترجم إلى خطوات تنفيذية ملموسة. لا يزال الموقف الرسمي أسير السقف الذي رسمه له الشيخ نعيم قاسم، عقب الحرب الأخيرة، أي الالتزام بالتعاون جنوب الليطاني، مقابل رفض واضح لأي مساس بالسلاح شماله.

 

 

 

ومع مرور الوقت، بدأت تتآكل ثقة اللبنانيين بجدّية الدولة في التعاطي مع هذا الملف الخطير. فالحديث عن مقاربة السلاح من خلال “الحوار”، من دون تقديم أي تصور واضح حول مدته، آلياته أو جدول زمني ملزم، بات في نظر كثيرين مجرّد غطاء لفظي لعجز السلطة عن اتخاذ قرارات تنفيذيّة. وكأن عنوان “الحوار” تحوّل إلى ما يشبه “ورقة التين” التي تخفي غياب الإرادة السياسية أو ضعفها من جهة، ومن جهة أخرى، تستر عورة استقالة السلطة من تحمّل مسؤولياتها بانتظار خواتيم المفاوضات الأميركية – الإيرانية.

 

 

 

الأخطر من ذلك، أن البيانات الرسمية التي صدرت بعد الاستهدافات الأخيرة لمخازن تابعة لـ “حزب الله” في الضاحية الجنوبية، عكست تراجعاً ملحوظاً في خطاب الدولة، واصطفافاً أقرب إلى موقف “الحزب” منه إلى موقف ينسجم مع السيادة الوطنية وخطاب القسم والبيان الوزاري. هذا التموضع يضع الدولة عملياً في موقع “المتراس” لـ “الحزب”، بما يحمله ذلك من مخاطر مباشرة على المرافق والمؤسسات الرسمية.

 

 

 

إن تعنّت ومكابرة “حزب الله” لجهة التمسك بسلاحه، مقروناً بمماطلة السلطة الرسمية في الاضطلاع بمسؤولياتها، يضع البلد أمام احتمالات خطيرة. التصعيد الإسرائيلي الميداني آخذ بالازدياد، ولأول مرة منذ انتهاء الحرب، تلوّح تصريحات إسرائيلية علنيّة بإمكانية عودة الحرب بشكلٍ أشد وأخطر من الحرب السابقة، إذا لم تبادر الدولة اللبنانية إلى معالجة ملف السلاح بشكل حاسم وجاد.

 

 

 

يتعيّن على السلطة السياسية التوقف عن التستّر على “حزب الله” ومسايرته، وأيضاً عن الوقوف في موقع المتفرج على مآسي الناس بانتظار نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية. إذ إن الاستمرار بهذا النهج يجعل منها شريكة في إبقاء لبنان صندوق بريد للسياسة الإيرانية، وبالتالي في استجلاب المزيد من الدمار والمآسي والإذلال للناس. إن مرور الوقت يزيد من حجم المخاطر، فيما يُواصل الرئيسان عون وسلام استنزاف ثقة الناس بهما يوماً بعد يوم.