IMLebanon

أوباما بين فلسطين وحلب

ما صدر عن إدارة باراك أوباما في شأن الاستيطان الإسرائيلي كان بمثابة فعل ندامة. جاء الموقف الاميركي من القرار الأخير لمجلس الامن ليؤكّد ان هناك وعيا في واشنطن لخطورة الاستيطان وللسياسة التي تتبعها اكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل. لم يتردّد وزير الخارجية جون كيري في قول الامور كما هي عندما اعتبر ان الاستيطان، أي الاستمرار في عملية قضم أراضي الضفّة الغربية المحتلة يقطع الطريق على خيار الدولتين، أي على ايّ تسوية معقولة ومقبولة وشبه عادلة.

لن يعود من خيار في إسرائيل سوى خيار الدولة الواحدة القائمة على احتلال الضفّة الغربية وإبقاء المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال. هل هذا يؤسس لسلام ام لمزيد من العنف في المدى الطويل؟

تكمن المشكلة في انّ القرار الصادر عن مجلس الامن بموافقة أميركية جاء متأخرا، بل متأخّرا جدّا. المشكلة الأكبر ان الفلسطينيين لن يستطيعوا البناء عليه نظرا الى غياب الاستمرارية الاميركية. نسف دونالد ترامب بشكل مسبق امكان البناء على موقف مُعتمد من إدارة أوباما الذي امضى ثماني سنوات في البيت الأبيض في موقع المتفرّج على الاحتلال الإسرائيلي.

ليس موقف أوباما من سوريا افضل من موقفه من الاستيطان الإسرائيلي. يكاد هذا الموقف يكون اسوأ. لم يلتزم الرئيس الاميركي الذي سيسلّم مهماته الى دونالد ترامب في العشرين من كانون الثاني المقبل أي وعد من الوعود التي قطعها. لم يقدّم ايّ مساعدة للشعب السوري الذي ثار من اجل استعادة بعض من كرامته.

بالنسبة الى فلسطين، تراجع باراك أوباما امام «بيبي» الذي ذهب الى البيت الأبيض وتحداه في عقر داره. وفي مرّة أخرى، خطب رئيس الوزراء الإسرائيلي امام الكونغرس بدعوة مباشرة منه متجاوزا البيت الأبيض والمقيم فيه. صفّق الشيوخ والنوّاب الاميركيون طويلا لـ»بيبي» الذي تعمّد تجاهل الرئيس الاميركي عن سابق تصوّر وتصميم.

يردّ باراك أوباما على الاهانة التي وجّهها اليه رئيس الوزراء الاسرائيلي في وقت لم تعد فائدة من الردّ. لا يزال يقف عاجزا حيث كان يمكن لايّ تحرك أميركي ان يؤدي الى نتائج على الأرض، أي في سوريا. كان النظام السوري، الذي لا يفهم سوى لغة القوّة، على استعداد للرحيل نهائيا عن سوريا صيف العام 2013 بعد استخدام بشّار الاسد السلاح الكيميائي ضدّ شعبه. فضّل باراك أوباما وقتذاك الاستماع الى نصائح فلاديمير بوتين متناسيا انّه كان رسم لبشّار الأسد «خطا احمر». أصيب الرئيس الاميركي بعمى الألوان فجأة. ترك بشّار الأسد يستخدم البراميل المتفجّرة في حربه على السوريين. ربّما فعل أوباما ذلك من منطلق ان القتل الذي تتسبب به البراميل المتفجّرة قتل رحيم.

في فلسطين، استسلم الرئيس الاميركي امام «بيبي» وفي سوريا، استسلم امام الايراني والروسي. أراد حماية الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني بالدماء السورية. لم يكن لدى ايران ايّ مانع في ذلك.

تُعتبر حلب شاهدا على غياب الانسانية لدى الرئيس الاميركي الأسود الذي تبيّن ان ليس لديه ما يقدّمه للعالم المتحضّر. نراه يغادر البيت الأبيض تاركا العالم في يد دونالد ترامب الذي يظلّ بالنسبة الى الكثيرين شخصا غريب الاطوار ليس معروفا ما الذي سيفعله باستثناء انّه اختار وزيرا للخارجية هو ركس تيلرسون يعرف كيف يكون التعاطي مع الجانب الروسي وكيف تعقد الصفقات مع موسكو ومع رجال الحلقة المحيطة ببوتين.

يخرج باراك أوباما من البيت الأبيض بعد ربع قرن على الإعلان الرسمي عن نهاية الاتحاد السوفياتي. في الواقع، انهار الاتحاد السوفياتي يوم سقط جدار برلين في تشرين الثاني 1989، لكنّ الإعلان الرسمي عن النهاية كان في آخر العام 1991.

أعاد باراك أوباما الحياة الى الاتحاد السوفياتي مجسّدا بروسيا فلاديمير بوتين بعدما تراجع عن لعب أي دور في سوريا مكتفيا بالكلام الكبير عن ضرورة رحيل بشّار الأسد. سيرحل بشّار الأسد لانّ لا مكان له لا في سوريا ولا في غير سوريا. كلّ ما فعله حتّى الآن هو تسليم البلد للروس والإيرانيين والأتراك الذين يحتلون جزءا من الأراضي السورية. اكثر من ذلك، وفّر الأسد الابن الغطاء اللازم للقضاء على المدن السورية الكبيرة وتهجير أهلها او تغيير الطبيعية السكّانية فيها كما حال دمشق ومحيط دمشق.

سيذكر التاريخ ان باراك أوباما كان اول رئيس اسود للولايات المتحدة. سيذكره بانّ سياسته الخارجية وطريقة تعاطيه مع المؤسسات الاميركية، بما في ذلك وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والاجهزة الامنية، ساهمتا في إيصال دونالد ترامب الى البيت الأبيض.

لن يذكر التاريخ أوباما سوى بانّه قام بعمل بطولي في المواجهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي… ولكن بعد فوات الاوان. لعب أوباما كلّ الأدوار واتخذ كلّ المواقف التي أرادها له الروسي. وقف عاجزا امام المأساة السورية. لم يفعل شيئا في حلب كي لا تغضب منه ايران. كان أسير مجموعة من الرجال والنساء المعجبين بايران احاطوا به وجعلوه ينسى ان الولايات المتحدة انتصرت في الحرب الباردة وان برلين الغربية انتصرت على برلين الشرقية وليس العكس.

عندما دخل باراك أوباما البيت الأبيض مطلع العام 2009، ساد شعور بانّ رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم يحمل معه مزيدا من الانسانية. يخرج من البيت الأبيض، فيما الولايات المتحدة اقلّ إنسانية من ايّ وقت. سوريا شاهدة على ذلك. تجسّد مأساة حلب ذروة اللانسانية في عالم كان الرهان فيه على ان انتخاب اميركا رئيسا اسود لها سيشكل تحديا لكلّ من يؤمن بالإرهاب والترهيب ولغة القوّة والاحتلال. لم يحدث شيء من ذلك. العالم كلّه تحت رحمة الإرهاب والترهيب والقوّة. هذا ما كشفته المأساة السورية… هذا ما اكّدته السنوات الثماني لباراك أوباما في البيت الأبيض.