IMLebanon

الامتحانات الرسميّة قائمة: أيّ ممتحن لأيّ شهادة؟

 

 

تجري الامتحانات الرسمية، هذا العام، في جوّ من انعدام تكافؤ الفرص بين طلاب المدرسة الرسمية والمدرسة الخاصة، وحيث الخسارة واقعة حكماً، بما أن التقييم هو لكفاءات مبتورة ومنهج منقوص

 

الحركة داخل دوائر وزارة التربية تشي بأن الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية العامة باقية، بالقوة أو على «التساهيل»، وبتمويل لم يأت بعد، ووسط تفاوت صارخ في التحصيل الأكاديمي بين المدرسة الخاصة والمدرسة الرسمية وداخل كلّ من المدرستين. وهو واقع دعا أساتذة للقول إن «الاستحقاق سيسمح باصطياد عصفورين بحجر: إجراء امتحانات ميسّرة لا يرسب فيها إلا من لم يمرّ في محاذاة سور المدرسة، وتوفير التعويضات المالية للمسؤولين في الوزارة ولجان الامتحانات، وهذا مربط الخيل».

 

شهران فقط يفصلان عن الموعد الافتراضي للاستحقاق، وهو الأسبوع الأول من تموز. لا تفاصيل دقيقة حتى الآن عن آلية تنظيم الامتحانات، وبرنامج الامتحانات وما إذا كان سيجري اعتماد المواد الاختيارية أم لا، وغيرها من القرارات التي يصدرها، في العادة، وزير التربية ولا تحتاج إلى مرسوم، في حين أن مرسوم إشراك أساتذة التعليم الخاص في كلّ أعمال الامتحانات من وضع الأسئلة، إلى مراقبة الصفوف، والتصحيح وإصدار النتائج، الصادر العام الماضي، لا يزال ساري المفعول.

حالياً، تنتظر وزارة التربية إنجاز المركز التربوي للبحوث والإنماء لتقليص إضافي للمواد الدراسية المقرّرة، يفترض أن يصدر في وقت قريب، كي تحدد مسار الامتحانات، وهي لا تزال تفاوض، على خط مواز، الجهات المانحة على مبلغ مليونَيْ دولار لتسيير تنظيمها، إضافة إلى مبلغ 24 مليار ليرة (الموازنة الرسمية للامتحانات)، أي ما لا يتجاوز 240 ألف دولار.

 

المعلومات تفيد بأن المركز يتجه إلى حصر السنة الدراسية بـ13 أسبوعاً كما كان عليه الحال، العام الماضي، علماً أن بعض المدارس الخاصة أنجزت برامجها، وبعضها الآخر يراهن على التقليص، في حين أن بعض الثانويات الرسمية لم تداوم أكثر من 37 يوماً هذا العام، ومنها من درّس حتى الآن ستة أسابيع، أو عشرة بالحد الأقصى.

 

«الكلّ ناجح»

«التعليم الثانوي الرسمي أمّ الصبي»، هذا ما يفترضه الأساتذة الثانويون «المتخلّفون» قسرياً عن الالتحاق بثانوياتهم بسبب تعنّت الدولة في إعطائهم حقوقهم. «طلابنا غير جاهزين للامتحانات»، هذا ما تقوله النقابية في التيار النقابي المستقل، فاتنة دلال، مشيرة إلى أن 70% من الثانويات الرسمية في حالة تعثر، وليس صحيحاً ما يُحكى إعلامياً أن التعليم انتظم، سائلة: «بماذا سيمتحنون طلاباً داوموا حتى الآن 37 يوماً؟». وتردف: «لا قيمة لامتحانات غير عادلة تضرب التعليم الرسمي وقوامها الكلّ ناجح، فيما الأصداء التي تصلنا من الجامعات غير مشجّعة عن المستوى المريب للطلاب في التحصيل الأكاديمي». نسأل ما هو البديل؟ فتجيب أن الحل هو إعطاء الحقوق، مستغربة الإصرار على امتحانات البريفيه التي تكلف 150 مليون دولار، علماً أنها شهادة لا يعتد بها في أي وظيفة. بحسب دلال، لم تضع الحكومة خطة طوارئ ولم تدرج التعليم في رأس سلم أولوياتها، وكان الحريّ بها أن تجيّر عشرات ملايين الدولارات التي دفعتها لقطاع الكهرباء مثلاً للأساتذة. وفيما ترفض تحميل أي أستاذ مسؤولية هدر هذا العام، تلفت إلى أن الامتحانات في خبر كان، والضغوط التي تمارس ليست نابعة من اعتبارات تربوية، إنما تصبّ في إراحة المدرسة الخاصة، و«تنفيع» بعض المسؤولين الذين يعملون في الامتحانات ويتقاضون تعويضات. وتعتقد أن الطلاب سيقفون في وجههم هذه المرة، في حال إجراء الامتحانات وسيقفلون المراكز.

 

عام دراسي أعرج

عضو لجنة الأساتذة الثانويين المنتفضين، صادق الحجيري، يؤكد الحرص على إجراء الامتحانات الرسمية شرط إعطاء الحقوق، باعتبار أن الموقع الطبيعي للأستاذ هو الصف وليس الشارع أو المنزل، لكنه يوافق على أن العملية التعليمية لا تزال عرجاء في التعليم الثانوي الرسمي، باستثناء عدد محدود من الثانويات التي تعرّض فيها الأساتذة لضغوط وعُرضت عليهم إغراءات مادية، محمّلاً الدولة مسؤولية كل ما يحصل، «فالأساتذة مستعدون للتضحية لا أن يصبحوا هم الأضاحي مع رواتب تتبع مساراً انحدارياً وسط عدم تثبيت سعر صيرفة، إذ لا يتجاوز معدلها اليوم مع كل الزيادات 200 دولار بعدما كان المعدل في كانون الثاني الماضي 300 دولار».

 

التعويض في المعهد!

إلا أن أحد أعضاء الهيئة الإدارية في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي بدا مرتاحاً للتقليص الذي «سينهي الأمور بأقل الخسائر الممكنة وإن كان ذلك لم يردم الفقد التعليمي». ويعرب عن اعتقاده بأن الطلاب سيُمتحنون بأكثر من 60% من المنهج، لافتاً إلى أن التعثر في التعليم الرسمي هو بالشكل وليس بالمضمون، إذ إن قسماً كبيراً من طلاب الشهادات الرسمية التحقوا بمعاهد تدريس خاصة أو تسجّلوا في دورات تدريبية على حساب الجهات المانحة وعوّضوا أكثر من 70% من المعلومات الناقصة، ومن لم يستطع الانتساب إلى أي من هذه المبادرات سيحتاج إلى القيام بجهود شخصية. ودعا النقابي لجان الامتحانات إلى أن تضع أسئلة معتدلة، مراعاةً للظروف القاسية التي يمرّ بها الجميع.

 

الامتحانات «مهما كلّف الأمر»

على المقلب الآخر، يصرّ التعليم الخاص على إجراء الامتحانات «مهما كلّف الأمر»، على ما يقول رئيس نقابة المعلمين، نعمه محفوض، فإلغاء الشهادة أو إعطاء الإفادة يقضي على قطاع التربية. ويقول إن طرح إجراء امتحانين رسميين، واحد للقطاع الرسمي وآخر للقطاع الخاص مردود، وسابقة وطنية خطيرة، علماً أننا أوعزنا إلى معلمينا المشاركين في أعمال التقليص أن لا يكون التخفيف على حساب الجوهر حتى يكون للشهادة الرسمية معنى. ويطالب الأساتذة في التعليم الرسمي بأن لا يقبلوا بإنهاء العام الدراسي من دون امتحانات، وإذا حصل ذلك فلن يبدأ العام الدراسي الجديد، ولن يكون بمقدورنا تنظيم تحركات مشتركة بين القطاعين والمطالبة بأن يكون 45% من الراتب على الأقل، بالدولار الأميركي.

 

ويشير الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، إلى أن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة اتفق مع وزارة التربية في الاجتماع الذي عُقد بحضور المدير العام ورئيسة المركز التربوي على أن إجراء الامتحانات الرسمية مطلب نهائي لا مجال للعودة عنه، انطلاقاً من حق جميع المتعلمين في الحصول على الشهادة، أما مسؤولية إيجاد حلول لمشاكل التعليم الرسمي فتقع على وزارة التربية. ويوضح أن التعليم الخاص ليس ضد تقليص المواد كي لا يكون هناك تمييز بين تلميذ وآخر. ويلفت إلى أن هناك اقتراحين طُرحا في الاجتماع ورُفضا، وهما إجراء امتحانين للقطاعين في توقيتين مختلفين، أو أن يشارك من أنجز البرامج في الدورة الأولى، والباقون يخضعون للدورة الثانية، وجرى الاتفاق على تنظيم امتحانات موحّدة تبدأ دورتها الأولى في بداية تموز. ويشير إلى أننا «تمنّينا كاتحاد إلغاء فكرة المواد الاختيارية وخصوصاً لصف البريفيه مع اعتماد تقليص كمية المادة، فاختزال المواد غير محبّذ ويحدث مشاكل داخل المدارس، رافضاً اللجوء إلى الإفادات للحفاظ على المستوى التعليمي للطلاب». أما اعتماد الامتحانات المدرسية بالنسبة إلى تلامذة البريفيه فهو، بحسب نصر، سيف ذو حدّين ويحتاج إلى مزيد من النقاش والتفكير.

 

أمل شعبان: لا سيناريو بديلاً من الامتحانات

 

ترى رئيسة دائرة الامتحانات الرسمية، أمل شعبان، أن المشكلة ليست في الامتحانات، بل في العام الدراسي نفسه الذي لا يشبه أياً من الأعوام الأخرى ولا سيما لجهة التفاوت في التحصيل بين القطاعين الرسمي والخاص. تسأل: «إذا لم ننظّم الامتحانات، فما هو البديل؟ هل نعطي الإفادات؟ استناداً إلى ماذا؟ ماذا لو لم يعد بعض الطلاب إلى صفوفهم؟ هل يُعقل أن تُمنح إفادة نجاح لطالب داوم 30 يوماً؟». تقول: «جاهزون لوجستياً لإجراء امتحانات البريفيه والثانوية العامة، وليست هناك سيناريوهات أخرى حتى الآن، نأمل أن ينتظم الوضع سريعاً مع صدور تقليص المنهج عن المركز التربوي في وقت قريب». المأزق، كما تقول، هو في الثانوية العامة، لكون البيانات الأوّلية تشير إلى أن تلامذة البريفيه أنجزوا حتى الآن نحو 50% من المنهج.

 

هناك من يقول إنكم تصرّون على الامتحانات الرسمية من أجل «تنفيع» مسؤولين وموظّفين إداريين في الوزارة؟ تجيب: العاملون في الامتحانات يتقاضون تعويضات طبيعية عن أعمال ينجزونها خارج الدوام الرسمي، ولو أتيح لهم العمل في أيّ مكان آخر خارج وظيفتهم لكانوا تقاضوا أكثر من تعويضات الامتحانات، فرئيس اللجنة مثلاً كان يتقاضى 16 مليون ليرة، أي 10 آلاف دولار واليوم نربحه جميلة بالـ1800 دولار التي نعطيه إياها».

لكنّ الأساتذة يتحدثون بصورة خاصة عن تعويضات المسؤولين الإداريين، فهل دائرة الامتحانات تحتاج فعلاً إلى هذا الجيش من العاملين في الاستحقاق؟ تقول: «يقوم 20 ألف أستاذ بأعمال إدارية في الامتحانات، ويساعد نحو 20 موظفاً إدارياً رئيس اللجان الفاحصة المدير العام للتربية ورئيسة دائرة الامتحانات». وتؤكد أن هناك أعمالاً إدارية كثيرة للجان المواد، والمشرفين التربويين، والتفتيش التربوي واختصاصيي الاحتياجات الخاصة، وبنك الأسئلة، وتبرير طلبات الترشيح وتوزيع المرشحين والمراقبين وطباعة بطاقات الترشيح، وتحضير مغلّفات الأسئلة بحسب أعداد المرشحين في المراكز وصناديق التوضيب، وأعمال المكننة وجلسات أسس التقييم وإصدار النتائج وغيرها الكثير. وتستدرك: «فليحاسبونا إذا حصل خطأ في الامتحانات، لا أن يسألونا ماذا قبضنا عن عمل يتطلب دقة كبيرة ويرتّب مسؤولية عالية».

هل تأمّنت المبالغ المالية بالدولار لإجراء الاستحقاق؟ تشير شعبان إلى أن وزارة التربية تفاوض الجهات المانحة، وقد اعتمدت كلفة العام الماضي، أي مليونَيْ دولار للبريفيه والثانوية العامة. شعبان تحدثت عن عدم إصدار القانون الذي يرفع رسوم الترشيح من 20 ألف ليرة في الشهادة المتوسطة إلى 200 ألف، ومن 40 ألفاً في الشهادة الثانوية إلى 400 ألف، وهو ما قد يؤمّن موازنة بقيمة 30 مليار ليرة للامتحانات، علماً أن طلب الترشيح في البكالوريا الفرنسية هو 70 دولاراً، ويدفع الطالب 60 دولاراً للحصول على شهادة بدل عن ضائع في حال أضاع شهادته. وتؤكد شعبان أن إجراء امتحانين للقطاع الرسمي والخاص مرفوض لعدة أسباب، منها أنها امتحانات وطنية ولا يجوز التمييز فيها بين تلميذ وآخر، ومن ثم فإن تنظيم استحقاقين يضاعف الكلفة.