IMLebanon

العقوبات النفطية ضد إيران ستحدث ضرراً كبيراً

 

جرت إعادة فرض العقوبات الأميركية الأولى ضد إيران في ظل غياب مؤشرات على تراجع أي من الطرفين عن موقفه المتشدد. ومن شأن عودة العقوبات فرض قيود على الصادرات النفطية الإيرانية في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، التي سيأتي تأثيرها أكبر وأسرع عن المرة الأخيرة. ومع هذا، يبدو أن المعنيين بوضع التوقعات المرتبطة بالنفط لم يدركوا هذه الحقيقة بعد.

ما من شك في أن الرئيس دونالد ترمب سيكون أكثر صرامة تجاه إيران عما كان عليه الحال مع سلفه باراك أوباما. ومن المتوقع أن يخفض المستوردون طلباتهم على النفط الإيراني تدريجياً حتى حلول الخامس من نوفمبر عندما تصبح القيود سارية.

أما أي استثناءات ممنوحة للمشترين فستتطلب خصومات أكبر بكثير عن المرة الأخيرة، عندما كان الخفض بنسبة 20 في المائة كل ستة أشهر كافياً للفوز بإعفاء من العقاب. هذه المرة، ستغطي العقوبات الصادرات الإيرانية من المكثفات، نمطاً خفيفاً من الخام يستخرج من حقول الغاز الطبيعي.

وليست هناك أهمية تذكر لمسألة أن حكومات أوروبية تعارض انسحاب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني، ذلك إن السياسيين والبيروقراطيين ربما يتفقون على «استمرار الصادرات الإيرانية من النفط والغاز الطبيعي»، لكن تبقى الحقيقة في نهاية الأمر أن الشركات، وليس الحكومات، هي من يشتري النفط الإيراني. ويبدو التهديد بالإقصاء عن السوق الأميركية والنظام المصرفي المرتبط بها كافياً لمنع هذه الشركات من الشراء من إيران، ومنع شركات الشحن من نقل النفط والغاز الإيراني، ومنع جهات التأمين من تغطية هذه الشحنات.

جدير بالذكر أن المشترين الأساسيين للنفط الإيراني داخل الاتحاد الأوروبي هم فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا.

إذن ما التداعيات المترتبة على خسارة الصادرات النفطية الإيرانية؟

في يوليو (تموز)، تراجعت الصادرات الإيرانية بالفعل من الخام والمكثفات بمقدار 430 ألف برميل يومياً، أو ما يعادل 15 في المائة، عن مستوياتها في أبريل (نيسان)، الشهر السابق لإعلان الرئيس ترمب البدء في عملية إعادة العقوبات ضد إيران. ذلك ولم تصبح حتى القيود التي تفرضها العقوبات سارية بعد.

من جانبهما، توقفت كل من «رويال دوتش شل» و«توتال إس إيه» عن الشراء من إيران بالفعل. ومن المؤكد أنه ستتبعهما معامل تكرير أوروبية أخرى. بحلول يوليو (تموز)، تراجعت الواردات الخام الأوروبية من إيران بمقدار قرابة 220 ألف برميل يومياً، أو41 في المائة، عما كانت عليه الحال في أبريل (نيسان). ولا تندهشوا إذا رأيتم هذا الانخفاض يصل إلى الصفر بحلول نوفمبر المقبل.

من جانبها، يبدو ثمة انقسام مشابه في صفوف الشركات والسياسيين داخل تركيا في هذا الخصوص، ففي الوقت الذي أعلن وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي أن العقوبات الأميركية غير ملزمة لبلاده، تراجعت واردات الخام الإيراني الخاصة بشركة «تورباس توركي بترول رافينيريليري إيه إس» بنسبة تقارب 45 في المائة منذ أبريل الماضي.

وفي الوقت الذي عمد كبار المشترين من إيران إلى زيادة مشترياتهم قبل سريان العقوبات، عمدت شركات أخرى إلى تقليل مشترياتها بمعدل ضخم.

في آسيا، التي تشكل السوق الكبرى بالنسبة لإيران، توقفت كوريا الجنوبية عن شراء كل من الخام والمكثفات الإيرانية منذ أواخر يونيو (حزيران). ويعتبر هذا قراراً على درجة بالغة من الخطورة بالنظر إلى أن الكوريين أكبر مشترين للمكثفات الإيرانية، واتجهت إليهم أكثر عن 50 في المائة من الشحنات على امتداد الأشهر الاثني عشر حتى يونيو.

ويبدو كذلك أن شحنات المكثفات المتجهة إلى الإمارات العربية المتحدة توقفت، في وقت بدأت فيه الشركة الوطنية الإماراتية للبترول، التي تتخذ من دبي مقراً لها، طلب شحنات من جهات بعيدة مثل الجزائر وغينيا الاستوائية والولايات المتحدة وروسيا.

وبالمثل، لن تقدم اليابان على الوقوف بوجه الولايات المتحدة. وبالفعل، تراجعت وارداتها من الخام الإيراني بدرجة بالغة في ظل العقوبات التي فرضها أوباما وعاودت الارتفاع على نحو طفيف فقط عندما جرى تخفيف العقوبات عام 2016. ورغم أن المحادثات لا تزال جارية بين المسؤولين اليابانيين ونظرائهم الأميركيين، فإن الشركات ذاتها لا تتوقع حصولها على إعفاءات، وربما تتراجع الواردات من إيران إلى الصفر قبل نوفمبر المقبل.

ويترك هذا الساحة خالية أمام الهند والصين. حتى هذه اللحظة، لم تقدم أي منهما على خفض وارداتها من الخام الإيراني. في الواقع، زادت الهند من وارداتها مع توجيهها نسبة كبيرة منها للتخزين في مانغالور. ومع هذا، ربما يكون هذا الوضع مؤقتاً فحسب إذا ما نجحت معامل التكرير من بناء مخزونات جيدة لديها قبل النقص المتوقع في السوق. من ناحيتها، من غير المحتمل أن تقدم شركة «هندوستان بتروليم كورب» على شراء أي نفط إيراني حتى تحصل الهند على إعفاء من جانب الولايات المتحدة. وبالفعل، طلبت وزارة النفط من معامل التكرير التعامل بحذر مع هذه المسألة.

من ناحيتهم، لا يزال المسؤولون الهنود يأملون في الحصول ولو على إعفاء جزئي على الأقل، مؤكدين أنه من غير الممكن خفض الواردات الإيرانية إلى الصفر.

أما الصين، فقد أعلنت أنه في الوقت الذي لا تنوي خفض مشترياتها من الخام الإيراني، فإنها لن تقدم على زيادتها. وجدير بالذكر أن شحنات يوليو من الخام والمكثفات ارتفعت بمعدل 105 آلاف برميل يومياً، أو ما يعادل 14 في المائة، مقارنة بأبريل، لكنها ربما تتراجع الآن مع حذف الخام الأميركي من قائمة السلع التي تستهدفها تعريفات صينية.

وبذلك نجد أنه في الوقت الذي تراجعت الصادرات الإيرانية من الخام والمكثفات بمقدار نحو 1.2 مليون برميل يومياً على امتداد قرابة عامين في عهد أوباما، فإنه تحت قيادة خليفته يبدو أن التراجع سيكون أكبر وأسرع بكثير، حتى مع غياب الدعم السياسي من قبل حلفاء الولايات المتحدة.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»