IMLebanon

حروبنا الأهلية المستمرة… وعجزنا!

ونحن في ذكرى الحرب أو حدثها، ينشغل اللبنانيون بحروب مستديمة، يحملون انقساماتها وتتناسل بأشكال جديدة من دون أن يقف أحدهم مصارحاً وناقداً لأسبابها الحقيقية. نشهد في الحياة السياسية اللبنانية حروباً متعددة وروائح تسمم الأجواء والهواء وتفتك بكل ما تبقى من مناعة، فيما تخوض مذاهب معاركها الصغرى والكبرى، تستنفر عصبياتها وماضيها كسلاح أمضى في الإصطفافات الطائفية الحالية التي لم نشهد مثيلاً على صفائها حتى في أيام حدث الحرب الأصلي عام 1975. هنا، وفي هذه المرحلة من تاريخ البلد والصراعات التي تدور على أرضه، لا يقف، في الذكرى، أحد من المتحاربين السابقين، ولا من جيل الورثة، يستحضر ناقداً قضايا الإنقسام الفعلية والحقيقية التي عصفت بلبنان وباللبنانيين الذين انتشروا على مساحتها، وما الذي جعل الإنسداد السياسي في البلد يطيح بأي تسويات، ليتحول انفجاراً دمر البلد طوال 15 عاماً لم تنته إلا بوصاية تلاعبت أيضاً بلبنان وغيّرت ملامحه وهشّمت نسيجه الاجتماعي.

وحين يحيي اللبنانيون ذكرى اندلاع الحرب، ولا يستطيعون الإجابة عن أسبابها، وحين ينخرط شباب في الاصطفافات القائمة وفي الحروب المذهبية في لبنان والمنطقة، تغيّب المسؤوليات عن الحرب الأصلية وتحال ضد مجهولين. جيل الشباب الذي تأخذه الانقسامات لا يعرف سيرة الحرب الكاملة، ويجهل محطاتها ومجرياتها، لكنه يتلبّس شعاراتها بين المتاريس الجديدة المرسومة بدقة في الإصطفافات القائمة، لذا لا أحد يدين الماضي القتالي ولا يقتحم التجربة بنقد سياسي وفكري صريح يحدد الأسباب، لأن ذلك يجعل قادة الصراع الطائفي الحالي بين السنة والشيعة تحديداً، والحاضر المذهبي والطائفي، متهماً بمفاهيمه وشعاراته الماضية والمستمرة، فسيضطر الى رميها وهي سلاحه الأمضى في المواجهة وفي حماية مصالحه التي تحققت خلال سنوات حرب الـ15 عاماً والحروب المتناسلة منها.

يصعب على أهل الحرب السابقين أن يعرّضوا أسباب الحرب للنقد. هذا تجاوز لا يسمح به، لأنه يعرّض خطابهم لاحتمالات خطرة، وسيطرتهم وتعبئتهم للإلغاء. وإذ نشهد في الوضع الحالي للبنان انقساماً مذهبياً حاداً، لا يسمح أو يعرض أحداً للمساءلة، يستمر خطاب الحرب الطوائفي بأشكاله المختلفة، يأخذ من رصيد البلد ومن مستقبل شبابه الذين يتحولون وقوداً له وأسرى لاستهدافاته. يصبح العجز هو الكلمة الفصل عن إدانة الحرب وخطابها، وعن مواجهة كل ما يصيب لبنان. ثمة شيء مفجع يحصل في البلد، هو العجز عن الخروج من الحرب، هي ما زالت حدثاً ولم تتحول ذكرى، نستمر في كتابة فصولها وضحاياها المجانيين ونعجز أيضاً عن حل مشكلاتنا، فيأخذنا الفراغ وتخنقنا النفايات وروائحها الكريهة، ولا نستطيع مواجهة ارتدادات الحرب السورية ولا منع التدخل فيها، ليصبح العجز عنوان البلد، والانهيار يكتب تاريخ نهاية حروبنا!