IMLebanon

الإقتصاد الموجّه والتجارة الحرّة

 

في ظل تراجع اقتصادي رهيب يشهده لبنان، يناقش مجلس الوزراء مشروع موازنة 2019 ويتمّ إدخال بعض البنود الضريبية على المستوردات كافة باستثناء المواد الاولية للصناعة والأدوية والسيارات الصديقة للبيئة الجديدة فقط.

 

بموجب قرار من مجلس الوزراء، تمّت إضافة رسوم جمركية من دون ادخال القرار في متن الموازنة، وهو عبارة عن لائحة تضمّ 20 صنفاً ونوعاً تحت عنوان حماية الصناعة الوطنية. هذه الرسوم الجديدة تتراوح قيمتها من 5 الى 20% سوف تضاف الى الرسوم السابقة، لتصبح قيمة الرسم تشكّل في بعض الاحيان اكثر من 30% من قيمة البضاعة المحمية، وهذا قبل زيادة الضريبة على القيمة المضافة.

 

هذه الرسوم سوف تُضاف ايضاً على المنتجات والبضائع المستوردة من الدول التي كان لبنان ملتزماً معها باتفاقيات تجارية واعفاءات جمركية، مثل الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية. ويرجّح هنا، انّ اضافة ضريبة 2% ورسوم الحمايات سوف تضع لبنان في مواجهة تجارية مع هذه الدول، ما يمكن ان تؤثر على بعض المساعدات التي تأتي من هذه الدول كمنح او قروض ميسرة او مساعدات مختلفة لدعم الدولة وبعض القطاعات العاملة في لبنان، وسوف يكون لهذه الضرائب الجديدة في حال اعتمادها تأثيرها على انسياب البضائع الواردة الى لبنان والمصدّرة منه.

 

انّ معالجة عجز ميزان المدفوعات والعجز في الميزان التجاري لا يكون باعتماد الاقتصاد الموجّه وإضافة الرسوم النوعية والحمايات الاحتكارية ووضع قيود على التجارة الحرّة.

 

انّ الحل الممكن هو في تكبير حجم الاقتصاد وزيادة الصادرات وفي تشجيع الاستثمارات في لبنان من المواطنين اللبنانيين ومن غير اللبنانيين وبتخفيض كلفة الفوائد المصرفية على المستثمرين ورجال الاعمال، وبإيجاد فرص عمل جديدة للذين لا عمل لديهم وخصوصاً من جيل الشباب الخريجين من الجامعات، وفي مكافحة الاعمال غير الشرعية من اللبنانيين والاجانب وخصوصاً المهربين والمكتومي القيد التجاري والصناعي .

 

وفي حال اعتماد هذا النوع من الاقتصاد الجديد سوف نشهد تغيراً في شكل وهيكلية التسعير والاسعار في لبنان وفي غلاء كافة البضائع، وكأننا لم نعد نعتمد ونعمل تحت سقف التجارة الحرّة وقوانينها، وكأننا نذهب باتجاه اقتصاد موجّه ومسيّر من قبل الدولة، وهذا ما يعرّضنا لخسارة الكثير من تنوّع السلع والبضائع ذات الجودة العالية والمعتمدة عالمياً. انّ هذه الاجراءات لا يمكن ان تحسّن ميزان المدفوعات والميزان التجاري بفرض قيود على المستوردات وفرض رسوم عليها.

 

كما انّه سوف يؤثر سلباً على مداخيل الدولة من الجمارك ورسوم المرفأ ومداخيل الـ TVA وهذه المداخيل سوف تكون عرضة للتراجع نتيجة لعمل المهرّبين وتركيزهم على الاصناف ذات الرسوم الاعلى، وسيعملون على زيادة وارداتهم من الاصناف هذه بعد ان تتمّ زيادة رسومها.

 

كما انّ هذه الزيادات في الضريبة والرسوم الجمركية سوف تصيب المواطنين بشكل مباشر من خلال زيادة الاسعار على كافة المواد والسلع المستوردة، بعد ان خضعت لزيادات كبيرة نتيجة اضافة رسوم الحماية وضريبة 2% وسوف تصيب كافة الفئات اللبنانية وتؤثّر اكثر على الطبقات الفقيرة .

 

انّ هذه الحمايات في ظل عدم وجود العديد من المصانع للسلع المحمية، سوف تعرّض المواطن لامكانية الاحتكار وغلاء الاسعار وغياب التنوّع في السلع والمواد الحياتية واليومية، بعد غياب المنافسة المشروعة التي كانت تؤدي حكماً الى تخفيض الاسعار.

 

من هنا، يجب حماية الاقتصاد الحر والتجارة الحرة، وهذا لا يتعارض مع دعم الصناعات القادرة على المنافسة وذات الجودة التي يمكن تصديرها الى الخارج، ويمكن استهلاكها في الداخل. ويجب دعم الصناعة من خلال توفير الطاقة الرخيصة وانشاء المدن الصناعية واعطاء الحوافز الضريبية والاعفاءات الجمركية وتخصيص القروض المصرفية المدعومة وتسهيل الحصول على التراخيص القانونية.

 

التجارة والصناعة لا يتعارضان بل يتكاملان، ولا يجب ايجاد او خلق مشكلة ما بين التجار والصناعيين بسبب هذه الحمايات المقترحة، بل يجب اجراء حوار مباشر قد يكون المجلس الاقتصادي والاجتماعي هو المكان المناسب للخروج برؤية اقتصادية واحدة تغني الاقتصاد الوطني.