IMLebanon

الخروج من الذمية

كثرت التعليقات على موقف القوات اللبنانية من رئاسة الجمهورية، ولا مجال أن نزيد على هذه التعليقات تعليقاً سياسياً آخر، بل أريد أن أذهب الى مكان آخر، الى ما يُسمى الدور المسيحي منذ الحرب الاهلية الى يومنا هذا. يختلق اللبنانيون تفسيرات على اشكالها وانواعها لتوصيف الحرب الاهلية التي اتخذت في مراحل عدة من مراحلها بعداً طائفياً مقيتاً، ومن يدرس التاريخ يرى حقداً على ما سميّ المارونية السياسية.

بالطبع لن أدافع عن المارونية السياسية او السنية او الشيعية والدرزية السياسية، لأنني اعتبر ان كل هذا هو من باب تقسيم المجتمع الى ملل ليست ببعيدة من الحكم العثماني وملله، ولكن واقع الأمر أنه صُب الكثير من الحقد على المارونية السياسية، وكان الحل في ذهن البعض “قوم لأقعد مطرحك” وهذه الذهنية أوصلت المجتمع الى أسوأ بكثير من حالته مع المارونية السياسية.

كما ذكرت لا أدافع عن اي توجه سياسي طائفي لأنني اعتبر هذا التوجه هو علة العلل، ولكن اذكّر اللبنانيين بأنّ الواقع اليوم وبصرف النظر عن السياسة هو مأسوي، خصوصاً في الاقتصاد والتعليم والمدارس ومناهجها التي لا تخرّج مواطناً لبنانياً، بل لبناني مسيحي ولبناني سني ولبناني شيعي الخ… وهذه كما يقول المثل الشائع

“a recipe for disaster”. وأود أن أشير في هذا السياق انه لا يكفي العمل على المناهج التعليمية فحسب، بل يجب منع اية مدرسة أن تكون لطائفة أو لمذهب معيّن ويجب فرض الاختلاط، و لا بد من العودة الى سنغافورة التي أذكرها دائماً لأنها دمجت ليس فقط بين اديان مختلفة، بل أثنيات مختلفة في مجتمع موّحد والنتائج على الصعد الاقتصادية والاجتماعية قد تكون الافضل في العالم.

دعونا نرجع الى الذمية، وكيف كان موقف القوات اللبنانية خروجاً عن الذمية بشكل واضح وصريح، فبصرف النظر عن موافقة بعض اللبنانيين عن تاريخ القوات اللبنانية سابقاً، فالتاريخ سيذكر ان هذه المحطة هي محطة جديدة من تاريخ الحياة المعاصرة اللبنانية وهو رد مباشر على من يعتبر أن المسيحيين تحت ذمته ورعايته ويعيش من خيره، وهذا موقف بطولي بكل المعايير بصرف النظر عن المواقف المسبقة من السياسات التي اعتمدتها القوات اللبنانية سابقاً. فأنا لا أسمح لنفسي بأن اقيّم التاريخ لأنني في الواقع لا أوافق على موقف اية جهة سياسية خلال الحرب الاهلية المدمرة التي مرت على لبنان.

اللافت للنظر الكليشه المعروفة “فليتفق المسيحيون ونحن معهم”، وكان قد استعمل هذه الكليشه كل جهة من الجهات السياسية العاملة في لبنان من 8 و14 وما بينهما. المسيحيون اليوم و بأكثرية قد تصل الى اكثر من 80% متفقون، فلماذا الحوران والدوران حول هذا الاستحقاق ؟

انا شخصياً مع وقف كل ما هو طائفي بالتعليم والـNGO والجمعيات والاحزاب الخ، ومع وحدة المجتمع بكل طوائفه ومذاهبه، ولكن هذا لن يحصل من جهة واحدة IT takes 2 to tango.

والظاهر اليوم أن الحلفاء والخصوم ليسوا حاضرين لوحدة المجتمع وليسوا حاضرين للتوقف عن السعي بكل الطرق وبجهد لافت للحصول على الحصة الاكبر لفريقهم، وبالطبع اعني بالفريق الجهة المذهبية التي ينتمي اليها كل فريق.

المسيحيون منذ اليوم لن يكونوا في ذمة أحد، بل في ذمة انفسهم، وواجبي ان أذكّر المسيحيين بأن جبران خليل جبران وانطون سعادة وميشال عفلق وجورج حبش منهم، وهم ارباب كل الحركات القومية والوطنية في المنطقة.

إنّ الخلاص من الداعشية لن يكون بمحاربتها بالسلاح فقط، فالعلاج الفعال هو بتربية الاجيال تربية اجتماعية موحدة في الافكار والتاريخ وفي احلام المستقبل الوطنية، وإلّا نكون كلنا سائرين من حيث ندري او لا ندري الى تقسيم وتهميش وتهجير المنطقة من كل صالح لنتركها لقمة سائغة للأعداء.

يتميز المسيحيون بتحررهم الفكري فعندما نتكلم على مواقف موحدة لا نعنيها أبداً من خلال حزب موحّد أو سياسة موحدة، ولكن نعنيها تحديداً بأنه انطلاقاً من لبنان يجب ان يتذكر كل مسيحي في المشرق أن مستقبلنا على هذه الأرض يجب أن لا يكون مرتبطاً بمن يريده بذمته، بل من خلال تطوير المجتمع الى مجتمع علماني يحترم كل الاديان، ولكن يعتبر الدين علاقة حميمة بين الانسان وربه، وأن كل الاديان أسمى من ان نستعملها في عالم السياسة.

أخيراً لا بد من أذّكر انني أكنّ كل الاحترام لموقف القوات اللبنانية بصرف النظر عن السياسة والمواقف المعلبّة التي تعودنا عليها في لبنان. والأهم أن هذه الخطوة هي ابعد من موقف سياسي آني أو منصب لرئاسة الجمهورية، بل أنّ انعكاسه جذري في ما يتعلق بمجتمع الشباب الصاعد في المدارس والجامعات عبر تقديم درس اساسي حول الانفتاح والحوار.

وزير سابق