توجّه لإطلاق لجنة تنسيق لبنانية – فلسطينية تُعنى بالتوصل إلى حل على مراحل تدريجية
في خطوة تحمل أبعاداً سياسية وأمنية حسّاسة، يصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم إلى لبنان في زيارة رسمية تتزامن مع تحركات لبنانية ودولية لإعادة فتح ملف السلاح الفلسطيني في المخيمات. ورغم تعدد أوجه الزيارة، إلّا أن المؤشرات تُظهر وجود نيّة حقيقية لدى القيادة الفلسطينية الرسمية للدخول في حوار جاد مع الدولة اللبنانية حول ضبط السلاح داخل المخيمات، في ما يُعدّ تطوّراً مفصلياً في مسار العلاقة الثنائية.
وتأتي زيارة الرئيس عباس هذه بعد لقاء سابق جمعه برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في آذار 2025، وتمحور الحديث آنذاك حول أمن المخيمات والتعاون الأمني. وفي هذا السياق تشير أوساط فلسطينية ولبنانية إلى أن الزيارة تحمل طرحاً متكاملاً لمعالجة ملف السلاح بالتنسيق مع الدولة اللبنانية، وبغطاء إقليمي واضح، خصوصاً من جانب المملكة العربية السعودية، إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة، الذين يضغطون باتجاه إنهاء مظاهر التسلّح في لبنان وفي داخل المخيمات الفلسطينية، ضمن خطة أشمل لضمان استقرار البلد في مواجهة التحديات الأمنية المتعددة.
وتعتبر هذه الدول أن ضبط الوضع داخل المخيمات لم يعد شأناً داخلياً لبنانياً – فلسطينياً فحسب، بل أصبح عنصراً حاسماً في الأمن الإقليمي، خاصة في ظل وجود جماعات مسلحة خارجة عن سيطرة السلطة الفلسطينية، بعضها يحمل فكراً متطرفاً، ويشكّل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي على حد تعبير أكثر من مسؤول في هذه الدول.
وفي هذا المجال، تؤكد حركة «فتح» على لسان مسؤوليها التزامها بسيادة الدولة اللبنانية، واستعدادها لتقديم كل ما يلزم لإنجاح خطة نزع السلاح، بالتنسيق مع الجيش اللبناني. في المقابل، تُبدي حركة «حماس» تحفّظاً واضحاً، وترى أن الحديث عن نزع السلاح يأتي في توقيت غير مناسب، معتبرة أن سلاحها «أداة مقاومة» وليس جزءاً من المشكلة الأمنية.
هذا التباين في المواقف يطرح علامات استفهام حول إمكانية الوصول إلى اتفاق شامل يحظى بإجماع الفصائل، علماً أن معظم الاشتباكات الأخيرة في المخيمات، خصوصاً عين الحلوة، كانت بين فصائل «فتح» ومجموعات محسوبة على «حماس» أو «القيادة العامة».
ما هي العقبات التي تعترض عملية التنفيذ؟ أولا غياب مرجعية موحّدة للمخيمات، إذ يصعب فرض اتفاق ملزم على جميع القوى في ظل تشتت المرجعيات الأمنية داخل المخيمات.
ثانياً: الخشية من تكرار سيناريوهات سابقة حيث ان كثير من اللاجئين يتوجسون من تجريدهم من السلاح دون توفير حماية بديلة.
وثالثاً: الوضع الإنساني المتردّي فهناك تساؤلات تُطرح حول مدى قدرة الدولة على استيعاب المخيمات أمنياً واجتماعياً في حال جرى نزع السلاح دون خطة تنموية موازية.
أما على مستوى الداخل اللبناني، يبرز إجماع سياسي وأمني على أن السلاح الفلسطيني لم يعد مقبولاً، خاصة في ظل التجارب السابقة التي أظهرت قدرة بعض الفصائل على إشعال نزاعات مسلحة تعجز الدولة اللبنانية أحياناً عن احتوائها.
كما تزايدت الأصوات المطالبة بتطبيق سيادة الدولة على كامل أراضيها بما يشمل المخيمات، مع إبراز الجيش اللبناني جاهزيته لضبط الأمن في أي مرحلة انتقالية بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية الرسمية، علما ان كل المعطيات تؤكد أن نزع سلاح المخيمات ليس مجرد قرار أمني، بل مسار سياسي واجتماعي معقّد يتطلب توافقات داخلية وخارجية. فنجاحه مرهون بوجود استراتيجية شاملة تعالج الأسباب الجذرية، وتجمع بين سيادة الدول المضيفة وضمان الحقوق المشروعة للاجئين، وأي محاولة لحل أمني صرف قد تؤدي إلى انفجار جديد بدلاً من استقرار دائم بين هذه المخيمات ومحيطها.
وبحسب عدد من المراقبين، يُنتظر أن تسفر زيارة الرئيس عباس عن إطلاق لجنة تنسيق لبنانية – فلسطينية رسمية تُعنى بملف المخيمات، على أن تُعطى الأولوية لمخيمات بيروت والجنوب الأكثر حساسية. كذلك، قد يُطرح تصور لمراحل تدريجية تشمل «حصر السلاح» في أيدي الجهات الرسمية المعترف بها داخل منظمة التحرير.
ويُجمع مراقبون على أن زيارة الرئيس عباس تُشكل نقطة تحول في العلاقة بين الدولة اللبنانية والقيادة الفلسطينية. وإذا ما توافرت الإرادة السياسية وتكامل التنسيق بين الأطراف المعنية، فإن لبنان قد يشهد للمرة الأولى منذ عقود معالجة جدية لملف السلاح الفلسطيني، بما يحفظ أمن الدولة وكرامة اللاجئين في آنٍ واحد.