IMLebanon

مخالفات النوّاب تضعهم أمام المساءلة الدستورية

 

في معرض مقاربتنا لأداء المجلس النيابي الكريم تظهّر لنا العديد من المخالفات والتي تندرج في خانة «الخيانة العظمى»، ويُصنفها فقهاء القانون على أنها «مخالفات سياسية دستورية» وهي كناية عن ممارسات تتعارض مع أحكام الدستور والنظام الداخلي لمجلس النوّاب (هذا النظام صادر بتاريخ 18 تشرين الأول 1994 والمعدّل في الهيئة العامة للمجلس النيابي المنعقدة بتاريخ 28 و29 أيار 1997 و11 شباط 1999 و31 تشرين الأول 2000، المنشور في الجريدة الرسمية رقم 52 تاريخ 13 تشرين الثاني 2003).

المخالفات كبيرة وخطيرة على مستوى الوطن ومنها على سبيل المثال لا الحصر (قضية أموال المودعين – قضية المديونيّة العامة – جريمة مرفأ بيروت، وغيرها من المخالفات لا بل الجرائم التي ارتُكِبتْ أثناء ولاية المجالس النيابية المتعاقبة)، هذه الجرائم اتخذتْ أشكالاً مختلفة كإنتهاك حقوق اللبنانيين بمصادرة جنى أعمارهم ومديونيّة فاقت كل التوقعات مقابل صفر إستثمار، وإهمال التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت، كما إنها تجنح نحو تجاوز القانون والتطاول أو التحايل عليه.

مخالفات كبيرة وخطيرة إرتكبها نوّاب الأمة وفي طليعتها إنتهاك الحقوق والحريات، وفي التفصيل تضمّنت هذه المخالفات العديد من أحداث ارتكبتْ عمداً إذ قُيِّدَتْ حرية التعبير ومُنع اللبنانيون من المُطالبة بحقوقهم المهدورة وأكبر مثال على ذلك كانت التظاهرات السلمية تُقمع بواسطة القوى المُسلحة الشرعية التي تخضع للسلطات الرسمية وغالباً ما كان يقع ضحايا من المدنيين الأبرياء الذين يُطالبون بأبسط حقوقهم المهدورة من قبل السلطات القائمة والتي نالتْ الثقة من المجلس بناءً على ما يندرج في المادة 64 من الدستور ولا سيّما الفقرة الثانية والتي تنص «يُجري الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النوّاب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ولا تُمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد إستقالتها أو إعتبارها مستقيلة إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال»، كما يرد في الفقرة الثالثة ما مضمونه «يطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النوّاب».

في الدستور اللبناني والأنظمة المعمول بها تُعدّ جلسات مساءلة السلطة التنفيذية من أهم الأعمال التشريعية في النظام البرلماني ضمن النظم الديمقراطية، كما أنّ هذه الأنظمة تتيح للسلطة التشريعية (نوّاب الأمة) محاسبة السلطة التنفيذية كما تسليط الضوء على أي ثغر من ثغرات الممارسة الحكومية. في الواقع وأمام الجرائم المتكررة (سرقة أموال الناس – المديونية المتراكمة – السلاح غير الشرعي – السيادة المنتهكة – جريمة مرفأ بيروت…) يظهر أن نواب الأمة الكرام لا يعملون بموجب النظام الداخلي للمجلس النيابي، حيث لا سلطة رقابية صارمة تُفضي إلى مساءلة الحكومة عن هدر أموال الناس وجريمة السلاح المتفلت الذي يتنافى وقانون الدفاع الوطني كما عدم إجراء التحقيقات اللازمة فيما خصّ جريمة مرفأ بيروت، مواقف نوّاب الأمة أقل ما يُقال عنها أنها فولكلور موسمي وعار تشريعي وتظاهرات سياسية موسمية غُبّ الطلب تحمل العديد من المزايدات وغياب المسؤولية الرقابية الفاعلة.

من هنا كـ«جمعية أهل التشريع والفكر» يمكن إعتبار أنّ الأنظمة البرلمانية السليمة تُخضع حكوماتها لرقابة متواصلة صارمة عملاً بما يرد في أنظمتها الداخلية، والتي تُلزمها بفعل المواد المتضمنة لهذا النظام إستجواب الحكومة على أفعالها، ورفع الغطاء السياسي عن كل مخالف سواء أكان رئيس الحكومة أو الوزير المعني بالمخالفة، وهذه المساءلة للأسف غير موجودة في لبنان واستتبعتْ مخالفات جمّة في الممارسة السياسية للحكومة أفضتْ إلى العديد من الجرائم.

هل يعي نوّاب الأمة أنهم يخالفون الآلية التنظيمية للمجلس النيابي، وتحديداً إهمال تخصيص جلسات لمساءلة الحكومة عملاً بالمادتين 136 و137 من النظام الداخلي حيث يُفترض عقد جلسة عامة لمناقشة أعمال الحكومة، وهنا نستطرد لتوجيه سؤال للحكومة الحالية ولمساءلة الحكومات السابقة ما الذي منعكم من طرح أسئلة مشروعة ومتنوعة وشاملة عن الجرائم التي ارتكبت بحق الوطن والمؤسسات الرسمية وحق الشعب؟ سؤال من الطبيعي ألّا يكون لدى نوّاب الأمة جوابا عليه لأنّ أغلبية نواب الأمة هم وللأسف مجرد أرقام في التكتلات النيابية لا صوت ولا أي شيء…

مجلس النواب الحالي لا بل كل المجالس النيابية التي تعاقبت منذ التسعينات هي مجالس ضعيفة نظرا لعدم وجود نواب أقوياء قادرين على تطبيق الدستور ومحاسبة المخالفين وكل هذه الأمور سبّبتْ للمخالفات والجرائم التي حصلتْ، وسبب هذا الأمر لا وعي دستوري بين المواطنين والمسؤولين، هل بإستطاعتنا التخلص من هذه العاهة؟ نأمــل خيراً.

 

* ناشط سياسي