قرّر مجلس النواب وبغالبية تسعة وتسعين صوتًا رفع الحصانة النيابية عن النائب جورج بوشيكيان، عملاً بأحكام المادة 40 من الدستور التي تنُصّ على أنّه لا يجوز في أثناء دور الانعقاد اتّخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جُرمًا جزائيًا إلاّ بإذن المجلس (ما خلا حالة التلبُّس بالجريمة أي الجُرم المشهود).
علمًا أنّ المجلس النيابي توّصل إلى هذه النتيجة بعد أن تأكّدت له جدّية المُلاحقة، وأنّ المُلاحقة بعيدة عن أي غاية سياسية أم حزبية، ولا تستهدف منع وحرمان النائب المعني من ممارسة عمله النيابي، عملًا بأحكام المادة 98 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
أمّا بعد، فما هي الإجراءات المُنتظرة في الملف، وهل سيُسلّم النائب بوشيكيان إلى القضاء اللبناني بحال ثبُت أنّه خارج لبنان؟
لا بُدّ وفي مستهّل البحث من طرح إمكانية أن يحضر النائب بوشيكيان إلى مطار بيروت ويُسلّم نفسه للأجهزة المختّصة، في حال كان مُقتنعًا ببراءته ونظافة كفّه، فهذا الاحتمال قائم.
أمّا وفي حال إصراره على البقاء خارج لبنان، وتحديدًا في “كندا” كما تُشير المعلومات، سيما وأنه يحمل الجنسية الكندية، فلذلك إجراءاتٌ مختلفة.
فبعد صدور الإذن بالملاحقة، ستعود الأوراق مشفوعة بالإذن إلى مرجعها. أي إلى جانب معالي وزير العدل ومنه إلى جانب النيابة العامة التمييزية صاحبة الطلب. حيث ستُبادر النيابة العامة التمييزية إلى استدعاء النائب بوشيكيان للمثول أمامها، وستبلّغه وجوب الحضور والمثول بالطُرُق العادية، وفي حال التعذُّر بالطُرُق الاستثنائية، أي باللّصق. وبحال عدم الحضور ستُصدر بحقّه بلاغ بحث وتحرّ، وستُحيل الملف إلى جانب النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان، التي ستدّعي على النائب بوشيكيان. وستضُّم ادّعائها إلى ملف التحقيق العالق أمام قاضي التحقيق الأوّل في بعبدا. عندها سيُحدّد قاضي التحقيق موعدًا لاستجوابه وسيبلغه إيّاه أصولاً بالطُرُق العادية، وبحال التعذُّر بالطُرُق الاستثنائية أي لصقًا. وفي الموعد المحدد للاستماع وفي حال عدم الحضور سيصدر قاضي التحقيق مُذكّرة توقيف غيابية بحقّه، وسيُعمّمها بواسطة النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان الموّقرة.
وكَون لبنان من الدول المنضوية في مُنظّمة الأنتربول، يُمكن للسلطات القضائية اللبنانية، إبلاغ هذه المُذكّرة إلى الأنتربول لإصدار النشرة الحمراء بحّق المعني، وتعميمها على الدول الأعضاء للتقيُّد بها.
ماذا يعني النشرة الحمراء؟
هي طلب يصدر عن الأنتربول يُكلّف به الأجهزة المعنية إنفاذ القانون في الدول المُنضوية، لتحديد مكان الشخص، واعتقاله موقّتاً، بانتظار تسليمه إلى الدولة المعنيّة أي لبنان.
والسؤال المطروح، هل ستُسلّم كندا النائب بوشيكيان إلى السلطات اللبنانية بحال صدور النشرة الحمراء بحقّه؟
من الثابت، أنّ “كندا” تعتبر من الدول المؤسسة لمُنظّمة الأنتربول وقد انضّمت إليها في العام 1923 وبالتالي، يفترض بها أن تتقيّد بقواعد التعامل. لكن ما سيُعرقل ذلك، أنّ النائب بوشيكيان يحمل الجنسية الكندية. وليس هناك من معاهدة تبادل موقوفين ومحكومين بين لبنان وكندا. وهذا ما ستتذرّع به كندا لعدم اعتقال النائب بوشيكيان وتسليمه إلى القضاء اللبناني، كون هذا الأخير هو مواطن كندي سندًا لرأي الدولة الكندية.
ويُطرح السؤال، ما الفائدة من إصدار النشرة الحمراء؟
الجواب على ذلك بسيط، كون إصدار النشرة الحمراء وتعميمها على الدول المنضوية في الأنتربول. سيُعرقل حُكماً حركة النائب بوشيكيان. حيث سيكون مُعرّضاً للاعتقال والتوقيف في كل مطار في العالم.
أمّا بعد، نُسدي نصيحة إلى النائب بوشيكيان، وفي حال كان مُقتنعًا ببراءته ونظافة كفّه، أن يعود إلى لبنان ويمثل أمام القضاء ويُدافع عن براءته. لأن واقعة تواريه لن تصُّب في مصلحته.
فمواجهة الظُلم أسمى من الهروب، ومُقارعة التّهم أفضل أنواع الحروب.