IMLebanon

آخر بدع بيتر جرمانوس: صحافيون أمام «الحاكم العسكري»!

   

 

يسعى القضاء العسكري إلى خنق حرية الرأي والتعبير. يسير مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس بخطى ثابتة لكتم أنفاس الصحافيين متى سنحت له الفرصة. يُخالف القانون ببدعٍ لا سابق لها، كأن يدّعي على صحافيين أمام القضاء العدلي بصفته مدعياً عاماً عسكرياً، ويقرر محاكمة صحافيين آخرين أمام «الحاكم العسكري»!

 

لا شك في أن رئيس محكمة المطبوعات فوجئ بادعاء على جريدة «الأخبار» مُقدَّم من القاضي بيتر جرمانوس بصفته مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. لم يسبق أن مرّ على رئيس المحكمة المذكورة قيام النيابة العامة العسكرية بالادعاء وإحالة دعواها أمام القضاء العدلي. والأنكى من ذلك أن تعمد النيابة العامة الاستئنافية إلى تغطية جرمانوس، بالادعاء على الصحيفة وكاتب المقال المشكو منه. لماذا يعمد القضاء العسكري إلى «جرجرة» الصحفيين إلى المحكمة العسكرية؟ هل تخشى المؤسسات الأمنية «ستاتوس» فايسبوك لتسعى إلى تشكيل طوق خانق للحريات؟

 

الادعاء على «الأخبار» وإحالتها على المطبوعات ليس، على ما يبدو، زلّة من القاضي جرمانوس. فقد دَرَج، بصفته نائباً عاماً عسكرياً، في الأسابيع الأخيرة، على ملاحقة عدد من الصحافيين بجرم تحقير مؤسسات أمنية وعسكرية، كأنّما يُريد إطاحة ما بقي من حرية صحافة في لبنان.

لا يختلف اثنان في أنّ القانون اللبناني شديد التخلف. لكن الصحافة تمكّنت من تحصيل حقوق لا يجوز لأحد انتزاعها منها، كأن يكون التحقيق مع الصحافيين محصوراً بالقضاة المدنيين. لكن جرمانوس يقود محاولة «انقلابية» على هذه الحقوق. وبعد الادعاء مرتين على «الأخبار» وإحالتها على محكمة المطبوعات (مرة ضد «الأخبار» ورضوان مرتضى، على خلفية نشر تحقيق بعنوان «حرب على «ضباط المخدرات»» يوم 11/7/2018؛ ومرة ضد «الأخبار» والزميلة ميسم رزق على خلفية نشر تقرير بعنوان «وقائع اجتماع المجلس الأعلى للدفاع حول الجنوب: خلافات على الترسيم وعلى ردّ الجيش» يوم 26/1/2019)، أمر جرمانوس بملاحقة ناشر موقع «ليبانون ديبايت» ميشال قنبور، على خلفية إشارته إلى قائد الجيش في خبرٍ غير صحيح نُشر على موقعه. في اليوم نفسه الذي نُشر فيه الخبر، استُدعي قنبور إلى التحقيق لدى الشرطة العسكرية في الريحانية. لم يرضخ قنبور، طالباً إمهاله حتى اليوم التالي لكونه قد استُدعي في يوم عطلة رسمية، لكنّ المتصلين به أصروا على حضوره في اليوم نفسه. وعندما أبلغهم أنّه لا يمكنه الحضور، دهمت الشرطة العسكرية مكاتب الموقع، ومكث عسكريوها فيه. عندها اضُطر قنبور إلى التوجّه إلى الريحانية بتمام العاشرة مساءً. استمع إليه ضابط عسكري لنحو ساعة ونصف ساعة قبل أن يُترك بسند إقامة. لم يكن قنبور الوحيد الذي تلاحقه الشرطة العسكرية. قبله بأيام، استدعت الشرطة العسكرية الزميل في قناة «الجديد» آدم شمس الدين بموجب ادعاء من جرمانوس، بناءً على شكوى من المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا.

شمس الدين روى لـ «الأخبار» أن استدعاءه جرى على خلفية كتابته منشوراً على صفحته على الفايسبوك، معلّقاً على عملية توقيف مشتبه فيه من قبل جهاز أمن الدولة لاتهامه بنشر مرض الآيدز! يستغرب شمس الدين توقيت الاستدعاء، متسائلاً: «لماذا بعد أربعة أشهر على كتابة التعليق يتذكرون استدعائي؟»، مشيراً إلى أنّ تاريخ الـ«بوست» يعود إلى ٣٠ تشرين الأول 2018. يذكر أنّ شخصاً «عرّف عن نفسه بالمؤهل أول فلان من محكمة جبل لبنان العسكرية اتصل بي الأربعاء الفائت بتمام الواحدة والنصف ظهراً، ليبلغني أنّي مطلوب للتحقيق في الفياضية على خلفية تعليقات تُحقّر أمن الدولة». ويضيف المراسل في قناة «الجديد: «سألته ما هو التعليق، فردّ بـ«لا أعرف». قلت له إني لا أمثل أمام القضاء العسكري لأنني صحافي، فأجاب بأنّ مهمته إبلاغي». يستغرب شمس الدين استدعاءه إلى محكمة عسكرية وليس محكمة المطبوعات، علماً أنّ المنشور مرتبط بملف كان يتابعه في التلفزيون.

وكيل شمس الدين المحامي أيمن رعد، تحدّث لـ«الأخبار» عن عيب في التبليغ، كاشفاً أنّ «الحاكم المنفرد العسكري استدعى موكّلي عبر الهاتف، لذلك أرجئت الجلسة لإبلاغه أصولاً». تحدّث رعد عن تهديد تتعرّض له حرية الرأي والتعبير، مستعيداً نقاشاً يُتداول في الآونة الأخيرة بشأن قانون الإعلام. يقول رعد: «يعتبرون أن الصحافي عندما يكتب على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي لا تدخل ضمن جرائم المطبوعات، تبعاً لاعتبار أنّ صفحة الفايسبوك ليست وسيلة إعلامية بحسب قانون الإعلام». يتحدّث رعد عن «حصانة الصحافي»، مشيراً إلى أنّه «لا يجوز استدعاؤه قبل مراجعة نقابة المحررين، لكن هناك مشكلة أنّه ليس جميع الصحفيين منتسبين إلى نقابة المحررين». ويرى رعد أنّ أخطر ما يجري هو استدعاء الصحفيين تبعاً للمادة ٣٨٤ من قانون العقوبات اللبناني بجرم المسّ بمؤسسة عسكرية. ويرى أنّ «الخطورة تتمثّل في أنّ عقوبة هذه المادة تصل إلى السجن لمدة ستة أشهر، إنما جرت العادة أن يُصدر الحاكم العسكري قراراً بالحبس ويستبدله بغرامة». وبالتالي، إنّ «النص جافّ ويعود للقاضي توسيع وتضييق مفهوم حرية التعبير بحسب ما تقتضيه مصلحة من هم في السلطة». وفي إطار المعارك التي تُخاض في خصوص الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، يستعيد المحامي رعد قضية فادي كحيل الذي لوحق بجرم قدح وذم ليذكر أنّ النقيب عصام كرم، كبير نقباء المحامين، ترافع عن كحيل بالقول لهيئة المحكمة: «كل الدول في العالم عندها أربع حدود، إلا لبنان لديه خمسة حدود. وحدّه الخامس هو الحرية، فلا تُضيّقوا علينا الحدود».

 

نقيب المحررين: بعض الصحافيين محرومون الحصولَ على سجل عدلي بسبب أحكام المطبوعات

 

من جهته، يعلّق وكيل جريدة «الأخبار» المحامي نزار صاغية بأنّ «المحكمة العسكرية تستدعي دوماً من يتعرض للمؤسسة العسكرية، لأن الجيش مثل رئيس الجمهورية»، لكنه يلفت إلى أنّ «من غير الطبيعي أن يمدّ القاضي جرمانوس يده إلى ملفات أمام محكمة المطبوعات. الفظاعة قيامه بالادعاء على «الأخبار» ثم إحالته الادعاء على محكمة المطبوعات». يؤكد صاغية «أنّ مفوّض الحكومة لا يمكنه الادعاء أمام القضاء العدلي، إنما له الحق بتقديم شكوى خاصة. وما فعله مخالف للقانون». أما في ما يتعلّق باستدعاء صحفيين على خلفية كتابات ضد المؤسسات الأمنية والعسكرية، فيرى صاغية أنّه «قانوناً، في كلّ مرّة يكون فيها الضحية أو المعتدى عليه هو الجيش، تكون المحاكم العسكرية هي الحكم، إلا إذا جاء هذا الاعتداء عبر وسائل الإعلام».

في المقابل، أكد نقيب المحررين جوزف القصيفي أنه يرفض ملاحقة أي صحافي جزائياً، مذكراً ببيان نقابة المحررين بالتحذير من قمع حرية الرأي والتعبير. ورأى القصيفي أنه لا يجوز أصلاً اتهام صحافي نشر خبراً بارتكاب جريمة تفرض محاكمة جزائية، إنما سمى ذلك مخالفة تفرض محاكمة أمام محكمة المطبوعات حصراً. وكشف القصيفي أنه اجتمع برئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد للبحث بالإجراءات المتخذة، متحدثاً عن ورشة عمل يجري الإعداد لها بين القضاء والإعلام «حرصاً على حماية الحقيقة». كذلك تطرق نقيب المحررين إلى المغالاة في الغرامات التي تصدرها محكمة المطبوعات بحق الزملاء، واصفاً الهدف منها بالتحذيري الذي يرهب الصحافيين. وتحدث عن عدد من الصحافيين «محرومين الحصول على سجل عدلي بسبب أحكام المطبوعات الصادرة بحقهم، ولا يستطيعون دفعها، وباتوا ملاحقين كأنهم مجرمون».

 

من ملف : الصحافة اللبنانية أمام «الحاكم العسكري»!