IMLebanon

«دولتو» الوهمية  

 

يضحكني هذا الصراع المحموم على نيابة رئاسة الحكومة. إنها أقل فاعلية من مجرّد وزارة دولة ومن دون حقيبة وإن شكلية:

 

أولاً – موقع «نائب رئيس الحكومة» ليس دستورياً. بمعنى أنّ لا نصوص عليه في الدستور وسائر القوانين التي تنظم شؤون الدولة وتحدّد المناصب فيها. فقط هو وليد عرف ليس حديثاً في أيّ حال. وهو، في المطلق، له قوة الإستمرارية لا الفعل. وربما كان محاولة ترضية للطائفة الأرثوذكسية الكريمة…

ثانياً – ليس من مقر دائم وثابت لنائب رئيس مجلس الوزراء. فالبعض من نواب رئيس الحكومة كان يتخذ موقعاً له في مكتبه الخاص. والبعض الآخر في مكتبه في مجلس النواب إذا كان نائباً ووزيراً في آن معاً.

ثالثاً – لا نصوص، على الإطلاق، على صلاحيات ودور نائب رئيس الحكومة… فقط كان نائب الرئيس عصام فارس يتولى رئاسة معظم اللجان الوزارية بتكليف من مجلس الوزراء.

رابعاً – ولقد يكون مفيداً أن نشير الى أنّ الطائفة السنية الكريمة كانت (ولا تزال بالتأكيد) شديدة الحساسية إزاء «تمادي» نائب رئيس الحكومة في تفسير دوره وإعطاء نفسه صلاحيات غير منصوص عليها، هذا إذا تمادى. وهو أمر مفهوم في بلد كان ولا يزال وسيبقى موضوع صلاحيات أهل الحكم فيه مدار خلافات كثيرة ما تسبّبت بأزمات حكم حادة… هذا بين أصحاب الصلاحيات المنصوص عليها، فكم بالحري تلك غير الموجودة أساساً؟!.

وتحضرني في هذه المناسبة «سالفة» وقصة ذات عِبرة:

السالفة – يوم هرول مرافق أحد نواب رئيس الحكومة الى السائق الذي كان ينتظر في المرآب يحثه على الإستعداد لأن «دولته» واصل! فأجابه السائق بسخرية: جايي وحدو ولا جايي «الدولة» معو؟

وأما القصة وكنت قد أشرت إليها في عجالة غير بعيدة هنا وخلاصتها أنّ رئيس مجلس الوزراء الأسبق المغفور له الرئيس عمر كرامي كان خارج البلد، فقرّر نائب الرئيس المهندس ميشال المر أن يمارس دوره في نيابة الرئاسة على القاعدة المبدئية أن نائب الرئيس يمارس صلاحيات الرئيس في غيابه… فتوجه (مع فريق عمله العريض) من مقره في وزارة الدفاع الوطني التي كان يشغلها، الى مقرّ رئاسة الوزارة آنذاك (وكانت في مبنى الجامعة اللبنانية في الصنائع الذي بات مقراً لوزارة الداخلية والبلديات) وتوجّه الى جناح رئيس الوزراء، والى مكتبه تحديداً. وكان ما كان من موقف سنّي.

وللمناسبة: كلمة حق تُقال إن الرئيس ميشال المرّ هو، حدّ علمي وإطلاعي، الوحيد في لبنان الذي عمل وزيراً للدفاع عن حق وحقيق، وقد أشرف على كل كبيرة وصغيرة في الوزارة، ولم تفته شاردة أو واردة. وكانت كلمته كلمة. وكان قراره ينفّذ… وحتى إذا وجد اعتراض ما على القرار وكان مقتنعاً بصوابيته كان «يصر» على التنفيذ، ومن ثم يصرّ على الإصرار. بالرغم من أنه تسلم حقيبة الدفاع في الظروف الإستثنائية التي يطيب لي أن أسمّيها بـ«التأسيسية»، كون لبنان كان طالعاً من الحرب المدمرة… وإنجازاته فيها لا تُحصى ولعلّ أبرزها خدمة العلم التي أرى في شأنها أن أكبر الأخطاء التي إرتكبت بحق الجيش وشباب لبنان عموماً كانت بالرجوع عن قانون خدمة العلم.