IMLebanon

بيار بوعاصي… جعجعة ولا طحين

 

سياسة   على الغلاف

المشكلة ليست في أن وزراء القوات لم يقدموا أي جديد يذكر، وعملهم يأتي تتمة لسياسات الوزراء الذين سبقوهم من دون أي تغيير جدي، بل في أنهم يتباهون بما «أنجزوه»، ما يدفع إلى البحث عما إذا كانوا قد أنجزوا فعلاً، أو أن كل ما قاموا به في حكومة الرئيس سعد الحريري هو الكثير من «الجعجعة» لكن بلا طحين

خلال تكريمه وزراء حزبه في الحكومة في آذار الماضي، أغدق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعبارات الثناء بحقهم لأنهم «تصرفوا بعكس المناخ والنهج والثقافة السائدة في البلاد» بدليل أنه «لم يمر في تاريخ الدولة اللبنانية وزير قام بصرف موظفين من وزارته»، في إشارة منه إلى وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي على «إنجازه» في برنامج «الأسر الأكثر فقراً»، لتخفيضه عدد المتعاقدين مع الوزارة من 711 موظفاً إلى 435 موظفاً، علماً أن هيكلية المشروع تلحظ الحاجة إلى 160 موظفاً فقط!

وإلى الإنجاز الذي تحدث عنه جعجع، قدّمت القوات اللبنانية أواخر عام 2017 عبر موقعها الإلكتروني «نبذة صغيرة عن إنجازات ملموسة وعملية» لوزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، وقالت إن ما تضمنته ورقة الإنجازات ليس «كلمات مبعثرة نخرج بها للإعلام، ونغش بها الرأي العام». فما هي هذه الإنجازات التي وردت في النبذة؟

تشير النبذة إلى إنجازات على مستوى «وضع رؤية واستراتيجية للوزارة لكل فئة من الفئات الضعيفة في المجتمع، إطلاق خطة مشتركة بين وزارتي الشؤون والصحة، إصلاح بعض المشاريع المنبثقة من الوزارة، مقاربة النزوح السوري من ناحية المصلحة الوطنية العليا والبطاقة البيرومترية».

إنجاز تتوالى فصوله

نبدأ من الإنجاز الذي تغني به جعجع، وهو صرف الموظفين من برنامج الأسر الأكثر فقراً، وتوفير مبلغ 6 مليار ليرة على الخزينة. اقتصر الإنجاز هنا على تخفيض عدد الموظفين، ثم زيادتهم، من دون الالتزام بهيكلية المشروع ومن دون العودة إلى مجلس الخدمة المدنية في التوظيفات الجديدة التي أجراها (بالتعاقد).

فقبل نهاية العام الماضي أعلن بو عاصي أنه سيخفض عدد العاملين في برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً من 726 متعاقداً إلى 160 فقط هي حاجة البرنامج وفق الهيكلية الموضوعة. أثار الموضوع ضجة في الإعلام، ليشكل كبرى «إنجازات» وزير القوات. تقول مصادر مواكبة لعمل الوزير عن قرب: «في البداية لم يكن بو عاصي متحمساً للمشروع لولا أنه لاحظ في ما بعد أنه يؤمن له حضوراً وفرصاً لتوظيفات مطلوبة انتخابياً». بدأ العمل على مشروع أنجزه سلفه قائلاً: «سأخفض عدد العاملين وما حدا يراجعني»، ليفتح الباب بعدها لمراجعات أمام الوزراء والمرشحين «وخود على توظيف».

اتخذ الوزير قراراً بإقالة المتعاقدين والإبقاء على 160 منهم، ثم رفعه إلى 180 متعاقداً، ثم إلى 250 ثم إلى 280 ليرسو عدد المتعاقدين على 483.

تقول مصادر معنية بالملف: «كان المفروض تصحيح الخلل بدل تراكم المتعاقدين في المراكز من دون أن تكون لديهم مهمة يقومون بها، خصوصاً أن مجمل عدد الملفات التي يتابعونها لا يتعدى 5000 طلب شهرياً. وفي ذروة العمل أنجز فريق الوزارة القديم 133 ألف طلب، رفعت إلى رئاسة الحكومة فوافقت على أقل من 43 ألف أسرة». فضلاً عن ذلك فإن طبيعة العمل تتطلب وجود أصحاب اختصاص فيما «التوظيف تم لحملة شهادات بعيدة كلياً عن الاختصاصات المطلوبة».

إلى هنا، لا يمارس بو عاصي عمله في شكل مختلف عن أسلافه الذين استفادوا من هذا البرنامج للتوظيف الانتخابي، أي بخلاف ما يقوله جعجع. ولو أن هناك جدية في العمل بخلاف الثقافة السائدة لكان برنامج الأسر الأكثر فقراً الميدان الأفضل لإبراز هذه الروحية في العمل لكثرة ما تعرّض إلى انتقادات منذ إطلاقه، والذي يبدأ الخلل فيه من الاسم الذي يحتاج إلى نقاش: فهل بتقديم المساعدة للأسر الفقيرة يعالج موضوع الفقر؟ ومن يضمن عدم دخول اعتبارات غير اقتصادية في توصيف العائلات؟ ولماذا لا تثق المنظمات المانحة باللوائح اللبنانية التي تحدد الأسر الأكثر فقراً وتفضل إعداد لوائح وفق تصنيفها هي للفقر؟ وهل الأسر المصنفة فقيرة هي فقيرة فعلاً؟ وإذا كان لكل برنامج بداية ونهاية فمتى تكون نهايته وقد بدأ العمل به قبل 7 سنوات تقريباً؟ وماذا ستفعل العائلات الأكثر فقراً حين يتوقف البرنامج وهل من خطة بديلة؟

 

التغني بإنجازات غيره

أما الإنجازات التي تليها فليست إلا تتمة لأعمال وزراء سابقين. فحين يتحدث عن «وضع رؤية واستراتيجية للوزارة لكل فئة من الفئات الضعيفة في المجتمع» فهي رؤية موجودة سابقاً. وإذا كان المقصود بالرؤية خطة حماية المرأة والطفل فهذه تعمل عليها الوزارة بالتعاون مع اليونسف منذ عام 2015. أما في ما يتعلق بذوي الحاجات الخاصة، فهو لم يضع أي هدف ولا رؤية فيما الوزارة تعمل لغاية اليوم على وضع استراتيجية الحماية الاجتماعية مع تصنيف وتوصيف جديد للإعاقات في لبنان.

أما الرؤية المتعلقة بالمسن فمعاييرها وضعت في عهد الوزيرين السابقين وائل أبو فاعور ورشيد درباس، في حين تم التنسيق مع وزارة الصحة لإطلاق مشروعها عن رعاية المدمنين والتوعية والإرشاد فيما مشروع الوزارة لمكافحة الإدمان لم ينجز بعد. والتباهي بتقديم الدعم المالي للجمعيات على أنه «إنجاز» إنما هو دور الوزارة الطبيعي وواحد من مهامها.

اتخذ الوزير قراراً بالابقاء على 160 متعاقداً، ثم رفعه إلى 180، ثم إلى 250 ثم إلى 280 ليرسو العدد على 483

وفي ما يتعلق بالخطة الثانية التي يتحدث عن تفاصيلها وهي «إطلاق خطة مشتركة بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة بما يتعلق بخدمات الوزارة في عدد من المناطق»، فتجزم مصادر متابعة لعمل الوزير أن لا وجود لشيء من هذا القبيل أبداً لا سيما لناحية «التقييم الجغرافي للمراكز وتنسيق الخدمات في ما بينها»، علماً أن أبو عاصي رفض إلغاء 60 مركزاً لا حاجة لوجودها. أما إشراك البلدية والمجتمع المحلي في تحديد الحاجات والموارد، فالوزارة باشرت بها منذ عام 2015.

وبالنسبة إلى البطاقة البيرومترية، فبشهادة المسؤولين، لم ينته العمل على المشروع بعد، والصيغة التي أقرتها الحكومة مشكوك بصحتها لكونها تخفي بصمة العين.

جمعيات الرعاية

يتساهل بو عاصي مع الجمعيات ومؤسسات الرعاية خصوصاً لجهة الجمعيات المُتعاقد معها ولا تضمن رعايتها المنامة للطفل، فيما من شروط التعاقد أن تشمل الرعاية التعليم والمأكل والمنامة أيضاً، أي أن المبدأ هو الرعاية الشاملة. ما يعني أن الوزارة تدفع مخصصات لمؤسسات ترعى الطفل بدوام مدرسي من دون منامة بكلفة 40 مليار ليرة سنوياً من أصل 165 مليار ليرة هي مجمل التكلفة التي تدفعها الوزارة ما يعني أنه يتكفل بسدس قسط مدرسي عن كل طفل.

الصعوبات التعليمية

تقدم وزارة الشؤون مساعدات إلى 917 طفلاً يواجهون صعوبات تعليمية، من بينهم 170 فقط يحملون بطاقة تؤكد أنهم من ذوي الصعوبات التعليمية فيما الآخرون غير مدرجين في هذه الخانة. تصحيح هذا الخلل يوفر على الخزينة مبلغ 7 مليارات ليرة يمكن أن توضع في مجالات أخرى بحاجة ماسة إلى الدعم. هذا مع العلم أن كلفة تعليم الطفل الذي يعاني صعوبات تعليمية تقدّر بنحو 5 ملايين ليرة ما حول الموضوع إلى تجارة رابحة من قبل بعض الجمعيات التي تتقاضى الأموال من الوزارة والأهل. وبعد طول جدل ونقاش كانت النتيجة بتوقف المساعدة عن الطفل بعد بلوغه سن الـ12 سنة، فيحذف اسمه من دون أن تحل مكانه حالة مماثلة.

إنجاز إقالة الموظفين

ماذا أنجز بو عاصي على مدى عامين من توليه حقيبة الشؤون؟ الجواب لا إنجازات، بل تسريح 380 متعاقداً في برنامج رصد التحركات السكانية الطارئة كان يمكن الاستفادة منهم في مشاريع أخرى، وفتح المزيد من المراكز الاجتماعية التي لا حاجة لها مع وجود 150 مركزاً، ورفض إجراء دراسة علمية لإعادة تموضعها مناطقياً، وعدم الموافقة على خفض عددها وبناء مراكز نموذجية من شأنها توفير 4 مليارات ليرة تدفعها الوزارة بدل إيجار مراكز وصيانتها سنوياً.

صدق سمير جعجع. وزراؤه «تصرفوا بعكس المناخ والنهج والثقافة السائدة في البلاد»!

الوزارة الغائبة عن ملف النازحين

ملف النازحين السوريين الذي يدخل في صلب عمل الشؤون الاجتماعية موزّع على أكثر من وزارة وجمعية ومنظمة دولية، تقدم خططاً لمساعدتهم لمدة لا تقل عن عشر سنوات. ومع ذلك، لا اعتراض من قبل الوزارة. لا توجد رقابة جدية على الملف ولا رؤية واضحة بل خطوات لا تعكس دور الوزارة المفترض في هذا الملف.

يوم تولى مهامه، عين الوزير بيار بو عاصي 5 مستشارين مكلفين بملف النازحين السوريين وتنفيذ مشروع LCRP (خطة لبنان للاستجابة اللازمة). ينسق الوزير ومستشاروه في شكل مباشر مع مسؤولي برنامج LCRP سواء في برنامج الحماية الاجتماعية أو استراتيجية حماية الأطفال والنساء. بشهادة جهة دولية أن عمل فريق عمل الوزير غير منظم وتشوبه الفوضى ما فوت فرص تنفيذ مشاريع بمبالغ مالية عالية.

ويشكل تعامل وزير الشؤون مع موضوع النازحين حالة بذاتها، إذ يطلب من العاملين على برنامج مساعدات للمجتمعات المضيفة للنازحين تأمين مساعدات لعدد من القرى وقد علقت عند مداخلها لافتات تمنع دخول النازحين السوريين إليها.

ويتماهى مع المنظمات الدولية بمسألة خياراتها بالعمل، إن لجهة «قاعدة البيانات» التي يفترض أن تكون ملك الوزارة فيما تحجبها المنظمات، أو لناحية تعاقدها مع مؤسسات وجمعيات من دون التنسيق مع الوزارة.

من ملف : القوات في الحكومة: جعجعة ولا طحين