لا تكف روسيا عن اطلاق المفاجآت العسكرية والسياسية التي تفرض على الغرب واقعاً جديداً في الشرق الاوسط انطلاقاً من سوريا. بعد المساندة الروسية الجوية للقوات السورية حل الرئيس بشار الاسد ضيفاً على الرئيس بوتين في الكرملين. الزيارة كانت حدثاً لا يقل بمعانيه ودلالاته عن القرار الروسي التدخل الجوي لمحاربة الجماعات المسلحة في سوريا، سواء تلك المحسوبة على الغرب او تلك التي يضعها الغرب على لوائح الارهاب مثل “داعش” و”جبهة النصرة”. فكل هذه الجماعات لم تكن لها وظيفة منذ نحو خمسة اعوام سوى تدمير سوريا كدولة وكيان اكثر من عملها لاسقاط نظام لم يثبت يوماً بأنها افضل منه على أي مستوى من المستويات.
لكن النتيجة المباشرة لزيارة الاسد لموسكو تتمثل في منح العملية السياسية دوراً موازياً للعمليات العسكرية على الارض. وتؤسس الزيارة لآلية سياسية تتجاوز بيان جنيف 1 الصادر في 30 حزيران 2012، او على الاقل ستؤسس لمعادلة سياسية تتجاوز كل طروحات الغرب القائمة على ضرورة تأمين الانتقال السياسي وتنحي الاسد.
وإدراكا لمفاعيل الهجمة العسكرية – السياسية لروسيا ، يسعى الغرب الى ممارسة سياسة الاحتواء من طريق ترويج معادلة تقوم على حل انتقالي يشارك فيه الاسد رمزياً، ويتنحى بانتهاء هذه الفترة. وعلى ذلك تجيب موسكو بأن مصير الاسد يجب ألا يتقرر سلفاً، وان المسألة يجب ان تترك للشعب السوري كي يقرر فيها. وهذا موقف الحد الادنى الذي تتفق عليه موسكو وطهران. أما الحل الانتقالي الذي ثبت فشله في اليمن فإن لا ضمانات أنه سيكون ناجحاً في سوريا.
وليس هذا فحسب، بل ان الازمة السورية تحولت صراع إرادات بين روسيا وايران من جهة والولايات المتحدة ودول الخليج العربية وتركيا من جهة اخرى. وعلى الشكل الذي سترسو عليه الخريطة السياسية والعسكرية لسوريا يتوقف مصير روسيا ومصير ايران ايضاً. وبذلك لم تعد الازمة السورية مجرد عملية بحث عن انتقال سياسي او عملية اصلاحات – وهي كذلك منذ تفجر الأزمة – بل انه على نتائجها يترتب انتصار محور اقليمي – دولي على محور اقليمي – دولي آخر. ولهذا ينطوي الصراع على تعقيدات لا تتوافر في صراعات ونزاعات اخرى في المنطقة.
إن التمسك الروسي بسوريا، باعتبارها جزءاً يمس الامن القومي الروسي مباشرة، هو ما يملي السياسة الروسية حيال دمشق. كذلك يصح القول على ايران. وفي المقابل يرى المحور الآخر ان انكساره في سوريا يفوّت عليه فرصة رسم المنطقة بالشكل الذي توهّمه قبل خمسة أعوام.