IMLebanon

قرار سياسي ـ قضائي بتوقيف عبد المنعم يوسف

صارت المعركة أكثر وضوحاً. كل المعطيات تشير إلى أن ثمة من يعمل ليلاً نهاراً، وعلى كل المستويات، لإبقاء المتورطين الكبار في قضية الانترنت غير الشرعي خارج الزنازين. هؤلاء مجرمون «خمس نجوم» والقانون لا يطبق عليهم، وإن ما زالت مروحة الموقوفين درجة ثانية أو المحقق معهم تتوسع، وآخرهم، كما علمت «السفير»، الضباط المسؤولون عن المناطق التي ضبطت فيها الشبكات غير الشرعية. أما في «أوجيرو» فتزداد القناعة أن مديرها العام عبد المنعم يوسف سيكون كبش الفداء للقضية، بعدما تخلى عنه تيار «المستقبل»، ليس لأنه «كان وراء عدم تطور القطاع، لإصراره على الإمساك بكل مفاصله، أو لرفضه استلام شبكة الألياف الضوئية المنجزة منذ أكثر من ثلاث سنوات»، كما يؤكد معارضوه، بل لحماية «المصالح المستقبلية» مع أحد أصحاب المحطات غير الشرعية.

ولذلك، تفيد المعلومات أن القرار السياسي بعزل يوسف قد اتخذ ولم يعد ينقصه سوى التوليفة القضائية، فكان «غوغل كاش» هو الطعم الأكبر. ولذلك، صار شبه محسوم، بعدما اكتمل الملف، أن القرار بتوقيف يوسف احتياطياً لن يتأخر. حتى أن بعض المطلعين على الملف يؤكدون أنه إذا عاد إلى بيروت، قد يتم توقيفه في المطار فوراً.

وآخر العقبات التي أزيلت أمس من أمام «الحكم السياسي» الذي صدر بحق يوسف كان إعطاء الوزير بطرس حرب الإذن للقضاء بملاحقة يوسف بتهمة الإهمال الوظيفي، بعد تأخير استمر عشرة أيام. وقد أوضحت مصادر الوزارة أن سبب التأخير يعود أولاً إلى عدم وصول الطلب وفق الأصول القانونية (لم يكن مرفقاً بملف التحقيقات)، وثانياً إلى ضخامة الملف الذي تسلمته الوزارة لاحقاً، والذي استدعى الاطلاع عليه وقتاً طويلاً.

في المقابل، قال أحد وزراء «المستقبل» لـ «السفير» إن ملف عبد المنعم يوسف لا علاقة له بما يثار حول التجسس أو أي أمر أمني ـ سياسي، بل هو ملف محصور بإهمال الوظيفة والهدر المالي، «لا أكثر ولا أقل».

وبإعطائه الموافقة على الادعاء على يوسف ومدير المعلوماتية توفيق شبارو، يكون حرب قد نفذ ما سبق وأكده عن أنه «لن أغطي أي موظف، عندما يُستدعى بحسب الأصول القانونية، والقضاء وحده هو الذي يقرر إن كان متورطاً أم لا».

في لجنة الاتصالات، التي تناقش منذ «8 آذار» قضية الانترنت غير الشرعي، بدا جلياً للنواب أن الوزير حرب ليس مطلعاً على أمور أساسية في القطاع. مع ذلك، يسجل لحرب أنه لم يتأخر في الدفاع عن يوسف عندما حاصرته الضغوط، من كل المتضررين من كشف قضية الانترنت غير الشرعي.

تبدلت الأمور سريعاً، مع تأكد المعلومات عن تبرؤ تيار «المستقبل» من يوسف، لا بل صار وزراؤه ونوابه ينعتونه بأبشع النعوت في المجالس الخاصة والعامة أحياناً. في لجنة الاتصالات كان يصعب التمييز بين نواب «المستقبل» ونواب «التيار الوطني الحر». وعندما أصر الوزير وائل أبو فاعور، في الجلسة ما قبل الأخيرة، على طرد يوسف من الجلسة لأنه متهم، لم يجد من يدافع عنه سوى رئيس اللجنة حسن فضل الله، الذي حفظ ماء وجهه، فدعا كل الموظفين إلى مغادرة الجلسة. وفي إحدى جلسات الحوار الثنائي، فوجئ ممثلو «حزب الله» بما سمعوه من ممثلي «المستقبل»، من تحميل المسؤولية ليوسف عن كل ما وصل إليه القطاع، حتى كادوا يدافعون عنه أمام هول الهجوم المستقبلي عليه.

فجأة ظهرت قضية «غوغل كاش» وظهرت بعض خيوط الصراع التجاري الدائر بين الشركات غير الشرعية وتلك المرخصة حديثاً. توفيق حيسو صار اسماً ملازماً لعبد المنعم يوسف، وهو أمر استفز الأخير لأبعد الحدود، وجعله يصدر توضيحاً موجهاً لـ «السفير» يؤكد فيه أنه لا علاقة له بحيسو لا من قريب ولا من بعيد، ولا تربطه به أي علاقة تجارية أو شخصية.

عند اكتشاف «غوغل كاش» في مكاتب شركة حيسو. صار الضغط مضاعفاً على يوسف، ولم ينفعه إعلان الوزير حرب أنه هو من أعطى الخدمة مجاناً للشركات. ظلت الشبهات تحوم حول سبب اختيار شركة حيسو تحديداً لجعلها مقراً لخادم «غوغل كاش» يحمل اسم «أوجيرو».

ولأن يوسف، بنى خلال وجوده، مراكز نفوذ في «أوجيرو»، مبنية على معادلة الولاء مقابل الامتيازات التي تذهب إلى كبار الموظفين، على ما يؤكد أكثر من موظف في «الهيئة»، فقد شعر كثر من الموظفين أن الفترة الذهبية تشارف على نهايتها، وأن الواجب يحتم عليهم الدفاع عن مديرهم، وعن أنفسهم، حتى اللحظة الأخيرة. قصدوا الوزير وتحدثوا عن فساد القضاء، وتردد أنهم هددوا بالاستقالة الجماعية قبل أن يُنفى الخبر من قبلهم ومن قبل الوزارة، وهو أمر تبين أنه يجافي الحقيقة، فقد حصلت «السفير» على نسخة من مسودة الاستقالة التي هدد المدراء المحسوبون على يوسف بتقديمها خلال اجتماع عقد في مكتب يوسف في الوزارة وضم نحو خمسين موظفاً، على رأسهم توفيق شبارو.

وبعد أن أحبطت محاولة التصعيد، لجأت نقابة الموظفين، المحسوبة على يوسف، إلى عقد مؤتمر صحافي، مرفق بعدد من الاعتصامات في المناطق، لتمرير رسالة واحدة: ليس مدراء «أوجيرو» وحدهم من يتحملون مسؤولية «غوغل كاش»، بل الوزير بطرس حرب أيضاً، لأن «كل مراحل ولادة ودراسة وتخطيط وإجراء التجارب وإطلاق هذه الخدمة المجانية، جرت بموافقة وإشراف المراجع المختصة (الوزير المعني)». وهو التهديد نفسه الذي سمعه الوزير في الاجتماع العاصف الذي حصل في مكتبه وحضره مدراء وأعضاء المجلس التنفيذي للنقابة، حيث توجه إليه احد الموظفين بالقول: كل ما قمنا به كان بتوقيع منكم.