IMLebanon

2022: انتصار الدولة الوطنية على الإسلام السياسي  

 

 

لا يُفصَل العام 2022 بديناميّاته السياسية عن مجريات وأحداث العام 2021. العامان، بمعنى ما، عام سياسيّ واحد، تتجمّع وقائعه ضمن سلّة واحدة، لا مهرب منها في رصد توقّعات العالم المقبل، وربّما ما يليه.

 

2022 هو عام النهاية الناجزة لعقد الربيع العربي بكلّ مخرجاته الرئيسية بين عامَيْ 2010 و2012، وملخّصها صعود تنظيمات الإخوان المسلمين إلى سدد الحكم في عدد من الدول العربية، أبرزها مصر. وهو عام إقفال دائرة الهزيمة السياسية لمحرّكي هذه الموجة، أي تركيا وقطر.

 

أمّا مطلع العام 2021، فقد شهد مصالحة العلا السعودية التي قادها وليّ العهد السعودي ورئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بين الدوحة وبين العواصم الخليجية ومصر لإنهاء مقاطعتها لقطر التي بدأت عام 2017 واستمرّت لأربع سنوات.

 

قليلة هي الإشارات عام 2021، التي كانت تنبئ بارتفاع درجات حرارة هذه “المصالحة الباردة”. في الأسبوع الأخير من شهر آب من العام نفسه، زار مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد الدوحة للقاء أميرها، وكان أوّل مسؤول إماراتي رفيع يزور قطر منذ المقاطعة. بعد ذلك بأسابيع نشر بدر العساكر مدير مكتب الأمير محمد صورةً غير تقليدية لبن سلمان يتوسّط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد والشيخ طحنون، بملابس رياضية وبابتسامات عريضة تعلو الوجوه، خلال لقاء ودّي شبابي، قيل إنّها التقطت على أحد شواطئ البحر الأحمر.

 

بعد خمسة أسابيع وفي 24 تشرين الثاني 2021، هبطت طائرة الشيخ محمد بن زايد، وكان بعد وليّاً للعهد، في تركيا للقاء يحمل كلّ معاني الانتصار السياسي والاستراتيجي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

 

بموازاة الحراك الإماراتي تجاه قطر كان الشيخ طحنون يعبّد الطريق الإماراتي التركي بزيارة لتركيا في 18 آب مترئّساً وفد بلاده للقاء إردوغان، وتلاها اتصال في 30 آب بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس إردوغان.

 

في ختام العام 2021، استقبل أمير قطر وليّ العهد السعودي، في أوّل زيارة رسمية له إلى الدوحة منذ المقاطعة عام 2017. وكانت الدوحة يومها المحطة الثالثة لبن سلمان بعد عُمان والإمارات ضمن جولة خليجية سبقت قمّة لمجلس التعاون الخليجي استضافتها الرياض في منتصف الشهر نفسه.

 

“العام السياسي الواحد” 2021-2022، سيشهد في فصله الثاني استكمال مشهديّة الهزيمة السياسية لمشروع الإسلام السياسي، لحساب نجاح محور السعودية-مصر-الإمارات. في الخامس من شباط 2022، التقى الشيخ محمد بن زايد، أمير قطر تميم بن حمد، في الصين على هامش فعّاليّات الألعاب الأولمبية الشتوية، وكان يتهيّأ بعدها بنحو أسبوعين لاستقبال الرئيس إردوغان في الإمارات في زيارة دولة تستكمل الاستدارة السياسية التركيّة الجذرية، تحت وطأة انهيار العملة المحليّة وارتفاع حدّة التهديدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وضعت مصير إردوغان على المحكّ.

 

في ربيع العام الحالي، في نيسان 2022، زار إردوغان السعودية، للمرّة الأولى منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ما دفع حينها الرئيس التركي إلى اتّهام “أعلى المستويات” في الحكومة السعودية “بإعطاء الأمر لتنفيذ عملية الاغتيال على أيدي عناصر سعوديين”، مستبعداً العاهل السعودي من التهمة.

 

بيد أنّ تركيا قرّرت قبل زيارة إردوغان بأسبوعين نقل ملفّ قضية خاشقجي إلى السعودية، في إشارة إلى إسدال الستار على استثمار أنقرة السياسي والإعلامي فيها.

 

في المقابل ظلّت علاقة تركيا بمصر تترنّح بين إقبال تركيّ على المصالحة، وتمنُّع مصريّ، عنوانه دفتر شروط سياسي يتعلّق بأدوار تركيا في رعاية فلول إخوان مصر، كما بأدوار تركيا في المدى الحيويّ المصري، ولا سيّما ليبيا. وما حصل اختراق في العلاقة إلا على المصافحة، الأكثر من بروتوكول والأقلّ من مصالحة، بين إردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش زيارة الرئيسين للدوحة لحضور فعّاليات افتتاح “مونديال قطر”. وكان الأمير تميم قد زار القاهرة صيف العام الجاري رادّاً بالانحناء تحيةً لفرقة عسكرية مصرية كانت في استقباله، برفقة الرئيس السيسي، ما مثّل إسدال الستار على عنوان “يسقط حكم العسكر” الذي أجّجته الماكينة الإعلامية والدعائية القطرية منذ عام 2013.

 

أمّا ختام مشهديّة العام السياسي المديد 2021-2022، فكانت في زيارة الشيخ محمد بن زايد للدوحة في كانون الأول، تلبية لدعوة الأمير تميم.

 

كلّ هذه المشهديّات السياسية، لا تجيز الاستنتاج، أنّ مشروع الإسلام السياسي قد انتهى إلى غير رجعة. فالكبوة الكبيرة لهذا المشروع الخطير، والذي يمثّل نقيض مشروع الدول الوطنية، الذي تتبنّاه مجموعة من الدول من طنجة إلى أبوظبي، وما بينهما، لا تعني أنّ الإسلام السياسي هُزم في معركته النهائية.

 

لقد شهد “مونديال قطر” بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ أصحاب المشروع يتحضّرون لموجة مواجهة جديدة من غير المعلوم أوانها. ظهر ذلك جليّاً في تحويل هوامش المونديال ومتونه إلى ماكينة تعبئة سياسية وأيديولوجية بعنوانين:

 

ـ أوّلاً، الترويج تحت ستار التعريف بالثقافة الإسلامية، للإسلام السياسي كعقيدة وهويّة للمنطقة وشعوبها، وهو نقيض التعريفات الوطنية التي تعتمدها دول كالإمارات والسعودية ومصر والمغرب.

 

ـ ثانياً، توظيف العلم الفلسطيني في مشهديّات عاطفية وتعبوية، بغية النيل من مشروع السلام الإبراهيمي وموجة التطبيع بين دول عربية رئيسية وبين إسرائيل، بوصف السلام أحد المشاريع السياسية الكبرى في الإقليم، وعنواناً من عناوين الانقسام السياسي والاستراتيجي التي تجيد قطر الاستثمار فيه للدفع قدماً بأجندتها السياسية.

 

فوق ذلك، تتوفّر أرضيّات متنوّعة لعودة ازدهار الإسلام السياسي، شبيهة بما توفّر له أصلاً في موجة الربيع العربي. فالآثار الاقتصادية الصعبة التي ترتّبت على النزاع الروسي الأوكراني، وانعكاساتها العالمية على أسعار القمح والوقود، تثير توتّرات اجتماعية مقلقة في مصر والأردن والمغرب، شبيهة بما أحسن الاسلام السياسي استغلاله في مناسبات سابقة.

 

كما أنّ التعثّر السياسي والمؤسّساتي والدستوري الذي أعقب إزاحة الإسلام السياسي عاد ليوفّر رافداً من روافد التعبئة للإسلام السياسي كحلّ بديل، أكان في تونس، حيث لم تزِد نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن 8.8%، أو السودان، حيث الانتقال إلى الحكم المدني يواجه تعقيدات خطيرة، أو العراق حيث نشهد عودة للقبضة الإيرانية بعد النجاح في إطاحة تجربة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وحصار ظاهرة مقتدى الصدر.

 

لا تشكّل هذه الظروف، السياسية والاقتصادية، فرصة أكيدة وحاسمة للإسلام السياسي بالطبع، الذي جُرّب، وفشل، ولا سيّما في مصر. لكنّها مسارب ينبغي التأكّد من أنّ التسلّل عبرها يُغري بالمحاولة، وبإعادة إحياء مشاريع، لا ينبغي النوم على حرير اندحارها وفشلها.

 

عام 2023، وما يليه، لا يزال في مكان ما. هو عام من أعوام هذا الصراع الكبير بين الدول الوطنية وبين مشروع الإسلام السياسي كقوّة أيديولوجية عابرة للوطنيات. يحصل ذلك في ظلّ إعادة رسم للواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، عنوانه الأبرز، ارتباك واشنطن بين انسحاب ترغب فيه وانخراط متقطّع تضطرّ إليه بين الحين والآخر. وما يجب أخذه بالاعتبار أنّ ما يحصل إنّما يمضي في ظلّ بدايات تشكُّل علاقة صينية شرق أوسطية مختلفة عن كلّ ما سبقها، على مستويات الاقتصاد والاستثمار والسياسة.

 

وفوق كلّ ذلك، يراقب العالم العربي، بكافّة قواه السياسية، مآلات الحراك الشعبي في إيران، والذي يعلن من جهته، نهاية الإسلام السياسي بنسخته الشيعية، وما ستترتّب عليه من آثار تطال كامل البنية التحتية السياسية في المنطقة.