المهندس أحمد عامر حداره
لم يعد حزب الله تنظيماً سياسياً أو عسكرياً بالمعنى التقليدي، بل أصبح كياناً مأزوماً يتصرف كمن يسير بخطى ثابتة نحو الهاوية. التصريحات الأخيرة لقياداته، ولا سيما التهديدات المبطنة بإشعال حرب أهلية، تكشف أن الحزب لم يعد يقرأ الواقع، بل يعيش في فقاعة أوهامه، ويتخذ قراراته بعقلية مغامِر يائس.
التهديد بحرب داخلية ليس فقط جريمة وطنية، بل حماقة استراتيجية، إذ سيضع الحزب في مواجهة اللبنانيين جميعاً، ثم المجتمع الدولي، وهو صدام يعرف كل خبير عسكري أنه لا يمكن للحزب أن ينجو منه. فالمعادلات الإقليمية تغيّرت، والبيئة الحاضنة تقلّصت، والغطاء العربي انكشف بالكامل.
لبنان كان وسيبقى جزءاً من المنظومة العربية، والدول العربية لن تسمح لميليشيا مرتبطة بإيران بجرّه إلى محور معزول أو تحويله إلى ورقة تفاوض في أيدي الحرس الثوري. وإذا ظن الحزب أن السلاح وحده يكفي، فليتذكّر أن السلاح بلا ذخيرة مجرد خردة، وأن سوريا المنهكة والمراقبة دولياً لم تعد الممر الآمن، بينما البحر محاصر بأساطيل لن تسمح بتهريب رصاصة واحدة.
نعيم قاسم، الذي يفتقر إلى أي خبرة عسكرية أو إدارة أزمات، يعكس صورة أزمة القيادة داخل الحزب؛ فصوت المراهقة السياسية يعلو على صوت العقل، والاندفاع الأعمى يحكم قرارات مصيرية. كيف لحزب أن يهدّد بحرب مفتوحة وهو يدرك أن قدرته على الاستمرار فيها تساوي الصفر في ظل الحصار، وتراجع التمويل، وغياب خطوط الإمداد؟
الاستقبال الخجول لعلي لارجاني في الضاحية الجنوبية، وهو أحد أضعف الوجوه الإيرانية، فضح حجم التراجع الشعبي حتى داخل الطائفة الشيعية التي كانت يوماً ما رصيد الحزب الأكبر. أما استعراضات «الشبّيحة» في بعض الشوارع فهي مجرد محاولات بائسة لبثّ الرعب، بعد أن انكشف الحزب أمام أبناء بيئته قبل خصومه.
حزب الله اليوم كمن يطلق النار على قدميه، ثم يهدّد الآخرين بالركض. لقد فَقدَ خطابه عن «المقاومة» كل معنى، وخسر أوراقه الإقليمية واحدة تلو الأخرى، ولم يبقَ أمامه إلّا الانتحار السياسي الذي يصرّ على تسريعه. والسقوط هنا لم يعد مجرد توقّع، بل حقيقة تنتظر لحظة إعلانها.