IMLebanon

التوظيف الإسرائيليّ لانفجار المرفأ: تحريض على حزب الله ورهان على تقييده

 

 

لم يعد الحديث عن توظيف إسرائيلي لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام الماضي، في اتجاهات مُحدَّدة، تقديراً نظرياً أو محاولة تحليل استشرافي، وإنما عملية استقراء من أداء عملي ممتدّ على سنة كاملة لمؤسسات الكيان الرسمية ومعاهد الأبحاث وبرز أيضاً في مقالات وعلى ألسنة الخبراء والمعلّقين. رغم ذلك، ينبغي التأكيد على حقيقة أن الحديث عن التوظيف الإسرائيلي لا يعني مسؤولية «إسرائيل» عن التفجير كما لا يعني خلاف ذلك. إذ لا يصح الاستدلال بتوظيف أي حدث بشكل مطلق، على من يقف وراءه إلا من باب المؤشرات السياسية غير المكتملة الدلالة. فالاستدلال نفياً أو إثباتاً له أيضاً أدواته ومجالاته الأخرى. والسبب أن الأطراف الدولية والإقليمية وحتى المحلية، يمكن أن تعمل على استثمار وتوظيف أي مستجدّ بما ينسجم مع أولوياتها ومصالحها، حتى لو لم تكن هي وراءه. وتتعامل وفق هذا المنهج، حتى إزاء الأحداث والخطوات التي قد يقدم عليها أعداؤها.

 

منذ اللحظة الأولى تعاملت أجهزة العدو ومسؤولوه مع التفجير باعتباره حدثاً مفصلياً تأسيسياً يمكن استغلاله للتحريض على حزب الله. ومن أبرز من تصدّى أيضاً لهذه المهمة كان رئيس وزراء العدو في حينه، بنيامين نتنياهو، عندما حدَّد وجهة التوظيف في حديث هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر تسليط الأضواء على مخازن حزب الله وصواريخه (موقع مكتب رئيس حكومة العدو، 11/8/2020) في سياق الحديث عن انفجار المرفأ، من بوابة أنه يمكن أن تتسبّب بحدوث تفجيرات مماثلة. تزامن ذلك مع حملة داخلية مماثلة حاولت الربط بين الأمرين، الأمر الذي أظهر وجود تكامل وتناغم مباشر وكامل مع العدو في هذا الاتجاه. في السياق نفسه لفتت دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي إلى ضرورة توجيه الاتهامات إلى حزب الله في كل ما يتعلق بالمعاناة التي يعاني منها لبنان، وهو ما تنفذه «إسرائيل» في مواقف قادتها وتقارير وسائل إعلامها.

الواضح أن تفجير المرفأ فاقم الأزمة الاقتصادية والمالية للبنان، لما نتج عنه من ضحايا بشرية وخسائر اقتصادية كبيرة… لكنّ الخصوصية التي اتّسم بها هذا الحدث أنه أتى في السياق الذي كان فيه مطلوباً رفع مستوى الضغوط المالية والاقتصادية على لبنان، وتم تثميرها في أكثر من اتجاه.

 

على المدى المتوسط والبعيد نسبياً، يراهن العدو على إنتاج سلطة سياسية في لبنان تعادي المقاومة

 

 

من أبرز اتجاهات توظيف مجمل الأزمة الداخلية في لبنان، بعناوينها الاقتصادية والمالية والسياسية، والتي شكّل تفجير المرفأ محطة دافعة إضافية لها، أنها وفّرت – وتوفر – الأرضية لابتزاز لبنان والمقاومة. وآخر هذه المواقف الصريحة في المضمون والدلالة على هذا الاتجاه، كان موقف وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس في آخر زيارة له لباريس، حيث دعا إلى اشتراط أي دعم دولي وإقليمي للبنان بتنازل حزب الله عن صواريخه الدقيقة. يعني ذلك، بالمفهوم الإسرائيلي، تجريد لبنان من عناصر قوته الرادعة والدفاعية لحماية لبنان والمنطقة، والتي تشكل أيضاً تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي. ولا يخفى أن افتراض نجاح العدو في هذه الاستراتيجية سيفاقم معاناة لبنان ويطيح بالسدّ الذي يحول دون استباحته، ولاحقاً تحقيق أطماعه في ثرواته وأرضه ومياهه.

يأتي موقف غانتس أيضاً تعبيراً عن أحد أهم مقتضيات هذا المخطط ورفع احتمالات نجاحه بأن يقترن بقطع الطريق على انفتاح لبنان على الشرق، وتلقّي أي مساعدة من أصدقاء لبنان لمنع انهياره أو حلّ أزماته الاقتصادية والمالية، ومساعدته على إعادة نهوضه. وبذلك تكون قد اكتملت دائرة المخطّط، وصولاً إلى حصر أي محاولة كبح لهذا المسار الانحداري، عبر بوابة واشنطن وبموافقتها المشروطة بتلبية المطالب الإسرائيلية بنزع عناصر قوة لبنان والمقاومة. هذا مع الإشارة إلى أن ما يقدمونه من عروض «إنقاذية» هو في الواقع سيؤدي إلى إعادة إنتاج أزمة لبنان. ويهدف أيضاً إلى تعميق مأزق لبنان وتكريس رهنه من بوابة الديون التي ستتفاقم مع ما سيترتب على ذلك من نتائج وتداعيات اقتصادية هائلة على الشعب اللبناني.

مع ذلك، وقبل بلوغ هذه المرحلة التي يسعون إلى تحقيقها، فقد راهن العدو أيضاً على أن يشكل تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فرصة لتقييد المقاومة عن الردّ على ما تلوّح به قيادة العدو على الدوام باستهداف عناصر قوة المقاومة، انطلاقاً من الرهان على أن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان سيدفع قيادتها إلى تقديرات مُحدَّدة بأن أيّ رد على الاعتداءات الإسرائيلية سيؤدي إلى التدحرج نحو مواجهة عسكرية تدفع الوضع الداخلي اللبناني في اتجاه الانهيار التام. لكنّ ارتداع العدو حتى الآن، يكشف عن أنه غير واثق في حساباته (وربما أيضا مُدرك) بأن المقاومة لن تسمح له باستغلال الوضع الداخلي لفرض وقائع سياسية وأمنية تفاقم من الخطر المُحدق بلبنان في حاضره ومستقبله.

على المدى المتوسط والبعيد نسبياً، يراهن العدو على أن يدفع هذا المسار نحو إنتاج سلطة سياسية تعادي المقاومة وتضع مواجهتها في أعلى سلم أولوياته، وتحوِّل لبنان إلى حليف له. رغم كل ما تقدّم، يبدو أن العدو يدرك أيضاً أن كل هذا المسار قد لا يحقّق أهدافه وانتقل إلى مرحلة التعبير عن المخاطر التي تنطوي عليه، من ضمنها أن يتحول حزب الله وإيران إلى منقذٍ للشعب اللبناني، وعلى الأقل لبيئة المقاومة بالمعنى الواسع للكلمة، عندها لن تقتصر النتائج والتداعيات على فشل المخطط الأميركي وإنما قد يكون ذلك بداية تأسيس لواقع جديد في لبنان على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي.