IMLebanon

بان المرج

لمّا تزحلقت العاصفة البيضاء من القطب الشمالي الى ربوعنا العطشى الى كل سائل حتى الأحمر، أخبرتنا كم اننا أهل شرق ما اشرقت روحه بعد، وانساننا ما زال تائهاً بين أرض وسماء، أرض تشده الى تنافس شرس، ولا ينتقص من كرامته لا ذبح الآخر ولا تدمير الاماكن لإحالتها اطلالاً طالما بكى فوقها عرب الجاهلية، وظلّوا عرب جاهلية الى يومنا الذي ما استطاع انسان كوكبه لا شرقاً ولا غرباً العثور على اجابة عن سؤال مَن أنا، ومن أين أتيت، وماذا أتيت أفعل؟ وما نزل عليه من السماء من عواصف ورسائل راوحت بين ارشاد وتهديد وتهويل ووعود، ما استطاع ازالة ذرة قلق وجودي تظل تنحز اطمئناناً ما يكاد يبلغه حتى يفرّ منه. من هنا مصدر الارهاب بكل اشكاله منذ بدء الوعي البشري على الوجود.

وكانت الاوطان وكانت الحروب، ثم كانت الاديان التي رافقت خطوات الانسان حروباً وفتوحات واحتلالاً واذلالاً للشعوب الضعيفة. وما عاد يحتاج انساننا العربي الى من يبيده واطفاله ليسرق ثروات أرضه. فقد تكفل هو مهرجانات الخراب الدموي، آخرها ثورات تغيير الانظمة. وما قال لنا ثوارنا اليوم، المذهبيون، الدمويون، كيف سيغيّرون أنظمة استبداد ولا يعرفون الا الاستبداد والابادة، يرددون ببغائياً كلاماً في الحرية والديموقراطية، كلمتان تضجان بصدى خواء الروح البشرية الغافلة في كل مكان، حتى في شوارع باريس الاريستقراطية التي طرق أبوابها رعب ارهاب حولته عرض تحدّ دولياً، عاطفياً، معطّراً، ضمت واجهته الامامية: نتنياهو، ملك الارهاب المعظم.

كشف الصقيع الابيض الذي ارهب أطفالنا المشردين بسبب نضال ثوارنا الاعتباطي كم ان انساننا ما أدرك بعد أهمية مرحلة الطفولة على السلّم البشري الصاعد الى درجات ادراك اسمى، تبلغها فقط أقلية، تعرف ان الاطفال بحاجة الى من يوفر لهم الحماية الشاملة على درب مسيرتهم. فاجأت العاصفة صغارنا عراة، حفاة، داخل خيام صيف، وما استطاع أهلهم حمايتهم ولن يستطيعوا. فمسيرة الكبار عشوائية سواء أهل “نظام” أو أهل “فوضى”، ما داموا يجهلون جميعاً مساحات قلب الحياة: مساحات الحب.

“حب” أخبرنا عنه بصدق عجيب ضيوف برنامج الاعلامي التلفزيوني مالك مكتبي: صغار واقعون في نعمة الحب. وقد حمل أولئك الاطفال فرحاً الى كبار خلعوا عليهم من عليائهم لقب البراءة، فالصغار لا يتجوّلون كالكبار بين ضفتي البراءة وعكسها، وهم صادقون والفرح سيد كلامهم الذكي، الجميل، الصادق.

لذا، لمّا الكبار في عجز عن تأمين الحياة الكريمة الآمنة لصغارهم، ليتوقفوا عن الانجاب، وليصلحوا نفوسهم الضاجة جهلاً وأذى، فالاطفال ثمرة الحياة الناضجة، وانساننا ما نضج بعد ولا يستطيع انشاء انسان جديد ما يكاد يفتح عينيه على الحياة حتى يخرب وعيه ليجعله ما هو على صورته الباهتة الكئيبة والشرسة.

قبل أن يذوب الثلج بان المرج العربي: خراب وصقيع واطلال واستبداد جهل بلا أفق لا عقلي ولا روحي. صقيع صقيع.