IMLebanon

زادت الأقساط 200% في 10 سنوات، ولم تزدد الرواتب إلا 15%

 

تعلو الأصوات في الآونة الأخيرة في صفوف لجان الأهل في المدارس الخاصة والكاثوليكية تحديداً، بالتناغم مع الحملة الشعواء التي يقودها اتحاد المؤسسات التربوية، ولا سيما المدارس الكاثوليكية، في إطار حملة منسقة لوضع الأهل في مواجهة المعلمين/ات في المدارس الخاصة، علماً بأن هذه الحملة ترتكز على نشر فكرة «غوغائية» الدولة في إقرار حق سلسلة الرتب والرواتب، على الرغم من أنها مطلب تحقق جزئياً بعد سنوات خمس من المطالبة.

 

حملة ممنهجة

بدأت الحملة بمشروع قانون الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، بفصل التشريع بين القطاعين العام والخاص للمعلمين/ات، لكن القرار لم يمرّ ولم يحظ بتواقيع تسمح بتحويله إلى مجلس النواب وجُوبه برفض قاطع من وزير التربية مروان حمادة، وطبعاً من نقابة المعلمين. فلجأ الأب عازار إلى مشروع بديل، هو تغطية الدولة للزيادات التي ستلحق رواتب المعلمين من خزينتها، وطبعاً المشروع رُفض من الوزير حمادة حين قال: «من يُعطِ، يأمرْ»، أي إن مساهمة الدولة تحتم قانوناً إخضاع المدارس لتبعية مالية وإدارية ترفضها المدارس الخاصة، عدا عن مشكلة التمويل وعدم توافر المخصصات لها. اليوم نشهد تصاعداً في تأزيم الوضع على مستوى إخضاع المعلمين/ات للابتزاز بعدم دفع مستحقاتهم بحسب قانون السلسلة الرقم 46 وبوضعهم في مواجهة الأهل والتملص من أي مواجهة مع الأهل، على قاعدة «نحنا ما خصنا بالزيادات على الأقساط، المعلمين بدن السلسلة».

 

عمل يساوي أجر

خاضت نقابة المعلمين تجربة الإضراب وتراجعت عنه بفعل الضغوط. فالمعلمون/ات هم أهل أيضاً، وعدد كبير منهم يتواجه يومياً مع الأهالي، عدا الاتصالات والتدخلات والتهديدات التي يتلقاها المجلس التنفيذي للنقابة وعوامل أخرى حالت دون استمرارهم في الإضراب. لكن أبرز ما يشغل بال المعلمين/ات هو وضعهم في مواجهة الأهل وتحييد إدارات المدارس، ولا تخلو مناسبة أو بيان إلّا ويقول فيها المعلمون/ات ونقابتهم: «افتحوا الملفات المالية للمدارس للسنوات الخمس السابقة»، لتكون مادة دراسة لتضخم القسط المدرسي كما اقترح الوزير حمادة في خطته. بمعنى آخر، تحاول النقابة إعادة توجيه البوصلة، والقول إنّ التسيب في الموازنات المدرسية أدى إلى زيادة على الأقساط على مدى السنوات العشر الماضية، لا علاقة لذلك بزيادات الرواتب والسلسلة التي يجري إخفاء وقائعها من إدارات المدارس.

ماذا يفعل المعلمون/ات؟ هل يخوضون تجربة الإضراب مرة ثانية؟ هل يخضعون للضغوط ويقبلون راتباً مجتزأً منه 35% من قيمته القانونية؟ هل يستطيعون الاستمرار براتب 1.5 مليون ليرة أو مليونين بعد خدمة 10 سنوات وهم أولياء أمور؟ كيف سيواجهون الأهل في حال الإضراب؟ كيف سيواجهون الإدارات التي هددتهم سلفاً؟ من معهم؟ هل يُتركون كجماعة مُستغلة تعمل ولا تتقاضى الأجر المناسب قانوناً؟ ما موقف المعلّم/ة امام تلامذته حين يخضع للابتزاز ويتنازل عن حقه المكتسب الذي ناضل من أجله سنوات وحين أتاه تخلّى عنه؟

في كل القوانين المحلية والدولية، هناك عمل ويقابله أجر متساوٍ مع قيمة العمل تحدده القوانين في كل بلد. فحصول المعلمين/ات على السلسلة أتى نتيجة حراكهم، وهو حق محمي بقانون. وحماية لحقوق الأهل والمعلمين/ات من الأجدى التفكير بتطبيق القانون الذي يحدد الأجر والذي من المفترض أن يتساوى مع حجم العمل. أي أجير أو موظف يعمل نصف دوام سيتقاضى نصف راتب، وأي موظف يتقاضى نصف راتب يعمل نصف دوام، لماذا تريد المدارس أن تدفع للمعلمين/ات 70% من رواتبهم المنصوص عنها قانوناً، وتطلب منهم 100% دوام وإنتاج؟ كيف يقبل الأهل أن تستمر هذه المهزلة وهم راعون لها ومصدِّقون على موازنات مدارسهم من خلال لجان الأهل؟ ما هي الصورة التي ينقلونها لأولادهم عن ممارسة الحقوق وتطبيق القوانين؟

 

من تحت الطاولة

تتمثل في طاولة الحوار التي أطلقتها وزارة التربية، في بداية أيلول الماضي، عدد من لجان الأهل ونحدد منها المدارس الكاثوليكية ورؤساء الاتحادات في كل من بيروت والمتن وكسروان الفتوح وجبيل، ومعهم رئيس اتحاد أولياء الأمور في مدارس المقاصد الذي أعلن في أكثر من مناسبة أن رئيس الجمعية أمين الداعوق ممثل مدارس المقاصد يمثله، لم نرَ في تصاريح هذه الجوقة نقداً أو انتقاداً لدور اتحاد المؤسسات التربوية التي يترأسه الأب بطرس عازار. لنراقب معاً تطور بياناتهم، بدءاً من مشروع قانون مقدم لإلغاء منحة 100% لأولاد المعلمين/ات، وصولاً إلى محاولات فصل التشريع حتى البيان المكرر برفض دفع أية زيادة ومطالبة الدولة تغطية الزيادات التي ستلحق برواتب المعلمين/ات. هو نفس المسار الذي حمله ويحمله الأب عازار واتحاد المدارس الكاثوليكية وفي خطاب المطران رحمة وخطاب البطريرك بطرس الراعي.

 

ممثلو لجان الأهل يحيدون الموازنات

ولتوضيح الصورة، من هم بعض ممثلي الاتحادات ولجان الأهل في المدارس الكاثوليكية؟ السيد كامل الريشاني، متعهد نقل في مدارس كاثوليكية ورئيس لجنة أهل، السيد ريمون فغالي، مدير مالي في مدرسة خاصة (غير كاثوليكية) وعضو هيئة مالية في مدرسة أخرى، السيدة ميرنا خوري محامية ورئيسة اتحاد، السيدة مايا بردويل جعارة، محامية ورئيسة لجنة أهل تظهر كثيراً في الإعلام كمدافعة متطوعة عن حقوق المستأجرين، أو مدافعة عن حقوق سكان مار مخايل الجميزة، وأخيراً كمدافعة عن حقوق أولياء الأمور، السيد طوني نيسي، مهندس ورئيس لجنة أهل.

خطاباتهم متماثلة مهما حاولوا التمايز، غير مسموح لأي منهم ذكر موضوع موازنات المدارس في بياناتهم، وأغلبهم تنقصه المعرفة في دور لجان الأهل وواجباتها والقوانين والحقوق الواردة فيها، وكل مدارسهم زادت أقساطها بنسب متفاوتة خلال فترة رئاستهم، وهم لم يقوموا بدورهم في معارضة الإدارات المدرسية وطلب الكشوفات أو درس الموازنات كما يجب. بعضهم اكتفى بمقولة أنّ للمدرسة حق زيادة حتى 10% من دون موافقة لجنة الأهل، ويسوق لها إعلامياً، علماً بأنّ هذه المحامية، رئيسة لجنة الأهل، لم تميّز الفرق بين بنود القانون 11/81 الملغاة وبنود القانون 515/96، اختصاص السيد ريشاني التهديد والوعيد على صفحته والتحريض وتوجيه إنذارات إلى نقباء المعلمين: «فليصمت النقيب السابق وليعلم الحالي والسابق واللاحق أنّ باب جهنم أقرب من تعطيل العام الدراسي وتوتيره».

يغرّد خارج هذا السرب المهندس طانيوس قسيس، رئيس لجنة أهل ونائب رئيس اتحاد المدارس الكاثوليكية في بيروت، وهو يعي تماماً أنه سيُجابَه، علماً بأنّ طرحه متبنىً من اتحاد بيروت، ولكن باقي الاتحادات لم توافق عليه، فهو ما برح يطالب بفتح ملف الموازنات المدرسية طلباً للشفافية وكما طلب الوزير حمادة، مثله مثل العديد من رؤساء لجان الأهل المنتمين إلى اتحادات المدارس الكاثوليكية ممن لم يوافقوا على مسار رؤساء اتحاداتهم ونشأت بفعل غوغائيتهم وتبعيتهم العمياء لإدارات المدارس ردود فعل وسط رؤساء لجان الأهل معارضة لهذا السلوك.

 

الأب عازار: لشو تدفعوا لخبراء المحاسبة؟ أعطوهن للمدارس المجانية

في الخلاصة، إنّ العديد من ممثلي لجان الأهل على طاولة الحوار التي دعا إليها الوزير حمادة لم يقوموا بواجبهم في تمثيل أولياء الأمور ولا في حماية مصالحهم، وحريٌّ بمعالي الوزير أن يطلب من خبراء المحاسبة التدقيق في موازنات مدارس هؤلاء قبل غيرهم وللسنوات الخمس السابقة بغية الكشف عن موقفهم الحقيقي واعتراضاتهم على زيادة رواتب المعلمين وليس زيادة الأقساط التي تجاوزت بعضها عتبة الـ 50% من دون زيادة رواتب المعلمين. وللتذكير، إن كل لجنة أهل أتت بانتخاب حقيقي دخلت حكماً في صراع مع الإدارة المدرسية لكونها تمثل فعلاً حقوق وهموم أولياء الأمور، ومنهم من نجح في عرقلة الزيادات.

معارضة التدقيق

تتمحور المشكلة في طرح ملف الموازنات على طاولة الحوار في وزارة التربية، فالمحاولات المتكررة في تحويل المشكلة تارة إلى آلية احتساب السلسلة وتارة إلى نزاع مع الدولة لأنها أقرت حقوق المعلمين وخلق نزاعات وهمية بين الأهل والمعلمين بتغطية إعلامية مكثفة من قبل المدارس الكاثوليكية وبيانات الاتحادات الموالية لها، هي عمل ممنهج يحاول جاهداً طمس حقيقة واضحة وصريحة، أن الزيادات التي أخذتها المدارس من خلال الأقساط على مدى السنوات العشر السابقة تقارب 200%، بينما كلفة زيادات رواتب المعلمين/ات خلال نفس الفترة لا تتعدى 15% (قبل السلسلة)، فما هو مبرر الزيادات، وأين تذهب هذه الأموال التي هي أموال الأهالي؟ ومن المفترض أن لجنة الأهل هي المؤتمنة عليها وعلى المساءلة عنها. بالمقابل، تستشرس المدارس في تحويل الخلاف إلى محاور أخرى، علماً بأنّ الأب عازار كرر في أكثر من مناسبة «لشو دفع المصاري على الخبراء؟ عطوهن للمدارس المجانية»! للإيحاء بأن المدارس الكاثوليكية لم تخالف القانون، وأنّ رصيدها صفر، لكونها لا تبغي الربح في حين أنه نُشرَت عدة مقالات ومقاطع من موازنات ودراسات تُظهر مبالغات في الأرقام تصل إلى عشرات أضعاف قيمتها الفعلية في موازنات مدارس كاثوليكية يحميها بعباءته، لمَ لا يقبل وضع موازناته بين أيدي الخبراء تفادياً للقيل والقال ولنكون علميين في حضرته وحضرة الوزير؟