IMLebanon

نقاط الدفء

 

العاصفة التي أثارتها مواقف الرئيس دونالد ترامب، بعد تسلّمه سدة الرئاسة الثانية في الإدارة الأميركية، جعلت العواصف تضرب وجه العالم كله بلا إستثناء. أو قل إنها أوقعت العالم كله في الزمهرير، فصار يرتجف من أقصاه إلى أقصاه، خصوصا بعد تعنيف الرئيس ترامب، الرئيس الأوكراني زيلينسكي، في البيت الأبيض.

ترتجف الصين نفسها وهي البلاد المرعبة بقوة إنتاجها، أمام التصاريح التي أطلقها الرئيس الأميركي، بفرض رسوم على بضائعها، تناهز الـ «خمسين بالمائة»، حتى اعتبرتها بمثابة حرب عليها.

وكانت ارتدادات هذه العاصفة الترامبية، وكذلك وقعها، عظيما للغاية على سيول وعلى تايوان وعلى سايغون، فما بالك بالمكسيك وهي الجارة الأدنى، والتي تهتز بجميع قواعدها وأرجائها وكيانها، إذا ما عبست الولايات المتحدة في وجهها. والأمر كذلك ينسحب على كندا، التي شعرت أنها في مهب الريح لأول مرة في تاريخها، بعدما كانت تنام على حرير علاقاتها الودّية، التي كانت مطواعة طيلة القرون الماضية مع حليفتها الإستراتيجية، التي تكشّر اليوم لها، عن أنيابها، وتهدّدها بإبتلاعها، وضمّها إليها، كولاية زائدة على ولاياتها، وحتى ذلك الحين، بالغت في فرض الرسوم الجمركية أيضا عليها، وجعلتها تتوجع وترتعد فرائصها، قبل أن يأخذ الوجع طريقه إليها.

عاد الرئيس دونالد ترامب إلى تهديد دول الاتحاد الأوروبي، وتوبيخها واحدة واحدة. فهو لم يخف إبتئاسه من السياسة الأوروبية، ومن الإنعكاسات السيئة على الأوضاع العالمية السائدة، ومن إبتزاز الدول الأوروبية، وخصوصا أثناء الحرب الروسية – الأوكرانية. فهو تارة يقرع رؤسائها، وهو طورا يستخف بحضورها وإدارتها للمشكلات العالمية. وهو إلى هذا وذاك، يهدّدها بالويل والثبور وعظائم الأمور، إذا لم تنصع للتوجهات الصارمة التي تطال أمنها وهيبتها، ويلمّح إلى طردها من حلف الناتو، لإتهامها بالفساد وإساءة العلاقة والإدارة.

عاصفة قطبية شديدة العصف، وبالغة القسوة في برودتها، تعصف بجميع البلدان في آسيا وفي إفريقيا. فها هو قد بالغ كثيرا في تسييد نتنياهو، في المنطقة العربية. وجعله «رجل العصا والجزرة»، لكل البلدان المحيطة بإسرائيل، مهدّدا ومتوعّدا. فهو مرة يهدّد غزة بعودة حربه عليها. وهو مرة أخرى يطلب من السكان إخلائها. وفي كل مرة، يأمر بسدّ المعابر أما قوافل المساعدات التي تتوجه إليها، لتقيها شر الجوع والعطش، وجمر الحر، وشدّة الزمهرير. حتى ليكاد يجعل العيش في غزة، من سابع المستحيلات، في هذه الأوقات الصعبة من الحرب الإسرائيلية التي تكبّدتها.

لبنان الذي خرج من تحت النيران الإسرائيلية التي كادت أن تدمره، في زمن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وتحت أنظاره، يجد اليوم بعض نقاط الدفء، في عهد الرئيس دونالد ترامب.

فها هي إسرائيل توقف عدوانها على لبنان، وتنسحب من معظم الأراضي التي إحتلتها، رغم إبقائها على «مسامير جحا» في التلال الخمس التي تتمركز قواتها فيها، وهو قد إجتاز القطوع الرئاسي، وقطوع تشكيل الحكومة، وأصبح دولة شرعية في عيون العالم، بدعم من الرئيس ترامب. وها هو يبسط سلطته وسلطانه على كامل البلاد بقوة جيشه وحده، ودون أية شراكة مع أحد. ونرى رئيس الجمهورية، عازما على الخروج إلى الزيارات وإلى اللقاءات وإلى المؤتمرات، بدعم وتأييد من المجتمعين العربي والعالمي. ولأول مرة، منذ ثلاثة أرباع القرن، يظهر لبنان أنه سيد نفسه، يقرر ما يريد أن يفعله، على مستوى السياسة الداخلية، وعلى مستوى السياسة الخارجية، وتحتكر قواته المسلحة حق حمل السلاح على جميع الأراضي اللبنانية، دون شراكة مع أحد، لا في الداخل ولا في الخارج، وهذا لعمري وحده من أعظم نقاط الدفء، التي بدأ ينعم بها، في عهد الرئيس ترامب العاصف حوله.

ترى جميع الدول والمجتمعات العربية والعالمية، توعز بالإنفتاح اليوم على لبنان. وهم يرحّبون به في صفوف المجتمعات كلها. ويظهرون له كل الدعم السياسي والمعنوي والاقتصادي، ويعدونه بتحمّل مسؤولية الإعمار، والإنفاق على ذلك بسخاء، رغم الجروح النازفة فيه، جراء الحرب التي قصفت ظهره، خصوصا في الضاحية الجنوبية وفي الجنوب اللبناني. فنرى العالم كله يعضده في المصاب الأليم الذي وقع فيه، بعد أشهر الحرب الدامية، وبعد الخسائر العظيمة على مستوى الحياة الاقتصادية، وعلى مستوى الحياة السكانية.

لبنان اليوم يعيش الأجواء الدافئة في عموم علاقاتها مع دول العالم، وخصوصا مع الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، رغم العواصف القطبية التي تشتدّ في الجوار الإقليمي. فهل يتلقّف الحكام هذه الفرصة الذهبية، ويبنون عليها، أم يضيّعونها وتضيع مثل هذه الفرصة التاريخية من أيديهم، وهيهات هيهات أن تعود!..

* أستاذ في الجامعة اللبنانية