سياسات الرئيس ترامب لا تنعكس فقط على الداخل الأميركي، بل تؤثر عمليا على كل ما يجري في العالم. أحاط نفسه بمتطرفين في كل المجالات شبيهين بالذين هجموا على الكونغرس منذ 4 سنوات. أعطى مجالات أوسع للنساء في الادارة، لكن وجهات النظر تبقى متطابقة أو متشابهة. هنالك فرق شاسع بين العهد الأول لترامب وعهده الحالي، اذ يظهر أنه درس وتحضر ليقوم بتنفيذ العديد من سياساته المتطرفة منذ اليوم الأول للحكم. يقول بكل جرأة أنه سيغير أميركا ليعيدها عظيمة، وكأن أميركا الحالية لا تنعم بالعظمة والقوة والتأثير العالمي الواسع والكبير.
الفرق الشاسع بين ترامب 2 ومعظم زعماء العالم أنه يقول ما يريد فعله دون خوف أو مراعاة أو تردد متجاهلا ما يمكن أن ينتج عن هذه التصريحات من اساءات أو تعديات أو اهانات. تشير الوقائع الى أنه يريد أن يستفيد من كل دقيقة يمضيها في الرئاسة، ولا شك أنه يحضر الخليفة أي نائبه الذي يبدو أنه أكثر ميلا نحو اليمين السياسي وهذا يقلق كثيرا. أما الفارق بين ترامب وجميع الرؤساء الأميركيين السابقين جمهوريين أو ديموقراطيين فشاسع بكل ما تحمله الكلمة من معان وتفاسير.
ما هي المبادئ التي يؤمن بها ترامب ويصرح بها؟ مصالح أميركا أولا ومن يريد المساعدة منها عليه أن «يشتريها» بالدولار. أوروبا تريد المساعدة في الأمن والحماية، ممتاز، لكن عليها زيادة انفاقها العسكري وشراء المزيد من السلع الأميركية خاصة السيارات. كل شيء له ثمن وبالدولار ولا تهمه السيطرة أو الوجاهة أو العظمة. أميركا، الأم الحنون لحلفائها، لم تعد موجودة وعلى الجميع تحمل مسؤولياته. في الماضي ومنذ الحرب العالمية الثانية، حمت أميركا أوروبا أمنيا وساعدتها اقتصاديا، لكن أهداف اليوم تغيرت أي كل شيء بثمنه ولا غذاء مجاني. الشرق الأوسط مهم ويريد المساعدة، بالترحيب لكن يجب أن تستفيد أميركا منه ليس بالسياسة والوجاهة فقط وانما بالدولارات أي مثلا عبر تنفيذ «ريفييرا غزة» أو ما يشابهها في دول عربية أخرى. مجددا لكل شيء ثمنه وبالدولار.
في السياسة، تباهى ترامب أنه لو كان رئيسا في السنوات الأخيرة أي «مكان بايدن» لما حصلت حرب أوكرانيا ولما حصلت حرب غزة وكان العديد من الوقائع حصل بشكل مختلف. يكره الحروب ويمنعها بالدولار أي بالثمن المادي المطلوب أو المفروض لبقاء السلم على الأرض. يقول علنا أن الوحدة الأوروبية أنشئت للاساءة الى أميركا، علما أنها أنشئت لعدم تكرار الحروب بين الدول الأوروبية. يريد تغيير طبيعة العلاقة كي تعوض أوروبا عن بعض ما أخذته مجانا من أميركا. يقول أن أوروبا لم تفعل شيئا لوقف حرب أوكرانيا، أي ربما انها مستفيدة من الحرب لتؤذي بعض الدول كروسيا وربما للاستفادة المادية من النتائج.
يريد ترامب ايجاد حلول لمنطقتنا، لكن دون مراعاة لمواضيع التاريخ والحقوق والثقافة والجغرافيا وبالتالي لا يمكن أن يصل الى أهدافه. منطقة الشرق الأوسط قديمة ومن يحاول المشاركة في تطورها، عليه أن يدرس جيدا تاريخ الشعوب وعقليتهم وثقافتهم التي تختلف كثيرا عن مناطق أخرى. مشكلة ترامب أنه لا يميز أيضا جيدا بين حلفائه التاريخيين خاصة في أوروبا وأسيا وأعدائه التاريخيين أي روسيا والصين. الصديق في رأي ترامب هو من يفيد أميركا ماديا وبالدولار، والعدو هو من يأخذ المادة من أميركا غصبا عنها وطبعا بالدولار. القيمة التي يتطلع اليها هي المادة وليس هنالك أي نظر للمواضيع الانسانية والتاريخية والثقافية. أميركا اليوم مختلفة جدا عن أميركا الماضي.
في الاقتصاد، للتعويض عن النتائج المادية السابقة لا بد من فرض قيود وضرائب وتعريفات جمركية مرتفعة تؤذي الحلفاء قبل الأعداء، حتى لو تأذى الأميركيون منها. التعريفات الجمركية المرتفعة ستفرض على كندا والمكسيك ودول الوحدة الأوروبية أي على الحلفاء أولا وبنسب عالية، وأيضا على الأعداء كالصين وروسيا وغيرهما. يقول ترامب أن الحلفاء استفادوا عن غير حق من مساعدات أميركا التجارية والأمنية والانسانية وعليهم تسديد تلك «الديون» سريعا. أميركا خسرت أيضا قلبها، ومن المنتظر أن توقف كل المساعدات والهبات الى معظم دول العالم وفقرائها. أميركا خسرت قلبها وجزئا كبيرا من عبقريتها العقلية التي كانت تحسد عليها.
أما الطريقة التي يستعملها الرئيس ترامب لمخاطبة الحلفاء، ربما لا يستأهلها الأعداء. اقترح مثلا على كندا أن تصبح الولاية الأميركية الـ 51 وبالتالي تتجنب العقوبات الجمركية المقترحة. يعرف جيدا أن الكنديين يكرهون هذا الاقتراح وانهم متعلقون بكندا وجناحيها الفرنسي والانكليزي. اقترح على الدانمارك شراء «غرينلاند» بالرغم من أنها غير معروضة للبيع وليست هنالك أي مبررات منطقية لهذا الاقتراح. أميركا في الداخل تحتاج الى الكثير من الاهتمام بالمناطق والفقراء والنزاعات الشعبية القوية، وربما يجب ترك هذه الأمور الدولية المستفزة لأوقات مستقبلية أفضل. يريد الغاء وزارة التربية وترك هذه المواضيع للولايات الـ 50 بالرغم من أن دور الوزارة الفيديرالية مهم جدا ويتلخص بتوحيد الأهداف العامة وبالتنسيق بين الولايات حتى تبقى سياسات التعليم مشتركة في دولة واحدة ولو قسمت الى 50 ولاية.
أما تأثير «الون ماسك» فمهم جدا. لا شك أن بعض أفكاره جيدة أي من نواحي تعزيز الانتاجية والتنافسية واستعمال التكنولوجيا الحديثة المتطورة في القطاع العام كما لوقف الهدر. تكمن المشكلة خصوصا في السرعة التي يريدها في التنفيذ وفي غياب المشاورات الداخلية الكافية المسبقة دعما للأفكار وللتنفيذ. فرض الاصلاحات من فوق ودون تأييد القاعدة لا ينجح عموما. قوة ماسك تفوق جدا قوة بقية الوزراء والنتائج لن تكون جميعها جيدة خاصة وأنه لا يعير أي اهتمام للمعارضة الداخلية الصامتة لمشاريعه التي يمكن وصف بعضها بالمتسرعة والمتهورة.