IMLebanon

انتقاد أميركي للجيش واحتضان خارجي لأزعور

 

بانتقال المعارضة والتيار الوطني الحر إلى مرحلة جديدة، بعد سبعة أشهر من الفراغ، بدأ يتسرب كلام أميركي وخارجي مختلف عن المرحلة السابقة. لكنه يحتاج وقتاً لبلورة أسلوب التعامل مع خيار ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور

 

حتى الأيام الأخيرة، كانت معلومات مطلعين على مشاورات عواصم اللقاء الخماسي، تتحدث عن تسوية تنتهي لمصلحة قائد الجيش العماد جوزيف عون. الإحاطة الأميركية الدائمة بالمؤسسة العسكرية ورعاية قطر لها، أعطتا صدقية لهذا الإطار المتحرك منذ أشهر، والذي كان يفترض أن يصبّ، بعد تعذر انتخاب مرشح ثنائي أمل وحزب الله ومرشح معارضيه، لمصلحة عون. وكان هذا السيناريو الأكثر تداولاً إلى ما قبل اتفاق المعارضة والتيار الوطني الحر على اسم المرشح جهاد أزعور.

 

لكن الساعات الماضية حملت إشارات يفترض التوقف عندها ملياً.

أظهر استماع لجنة العلاقات الخارجية الفرعية في مجلس الشيوخ الأميركي إلى مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف إشادة بالجيش وضرورة دعمه، ما اعتبره مؤيدو قائد الجيش من الإشارات المكملة لدعم الإدارة الأميركية لوصوله رئيساً للجمهورية. لكن ما لم يقل علناً، هو أنه خلال انعقاد اللجنة، لمس حاضرون وجود إشارات إلى تململ أميركي وفي أوساط حاضرين نافذين من الجيش اللبناني، على خلفية المناورة التي نفّذها حزب الله أخيراً. ومنذ المناورة، زاد الانتقاد للجيش الذي لم يكن له أي رد فعل، وهذا ليس أمراً بسيطاً في عرف من يطالبهم الجيش بدعمه وتمويل أنشطته. علماً أن جواً أميركياً بدأ، منذ الآن، يتحدث عن أن التجديد للقوات الدولية وعرض التقرير الدوري حول القرار 1701 سيأخذ هذه السنة منعطفاً مهماً، في ضوء المناورة، وبعد مقتل جندي إيرلندي من القوات الدولية في كانون الأول الماضي. وإذا كان هذا الكلام يتردد أميركياً للمرة الأولى، إلا أنه يأتي في توقيت دقيق لبنانياً، وفي اللحظة التي لوحت فيها واشنطن بفرض عقوبات على معرقلي إجراء الانتخابات الرئاسية.

 

تزامناً مع هذا الموقف المستجدّ، جاء ترشيح المعارضة والتيار الوطني الحر للوزير السابق جهاد أزعور ليطرح حيثية أخرى، تتخطى إمكان حصول تسوية مبكرة على طرف ثالث، أكان قائد الجيش أو غيره، وتتعلق بتحول هذا الترشيح كرة ثلج خارجية ما من شأنه أن يغيّر المعادلة القائمة بمقاربة الوضع اللبناني برمّته. وبدأ الكلام تصاعدياً من خارج لبنان، على تقاطع مع مشاورات تجريها عواصم اللقاء الخماسي، عن اتجاه محتمل لاحتضان واشنطن اسم أزعور، وفقاً لمواصفات سبق أن حددتها للمرشح الرئاسي. وهذا يتزامن مع تحرك دوائر أميركية نشطت في اتجاهات مصرفية ومالية وسياسية وأمنية معاً، واحتمال توسعه ليشمل الفاتيكان والسعودية، وفق المعيار ذاته.

فالفاتيكان بدأ يفرز بجدية قنوات الاتصال الخاصة بلبنان بعيداً من تلك التي كانت تتحرك لمصلحة تسوية مع حزب الله، وعدم ممانعة دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وفي الآونة الأخيرة، صار عصب اللقاءات المتعلقة بلبنان يمر حصرياً عبر أمين سر الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين. وهذا وحده كاف لإعطاء إشارات حول تغير ما في نهج اعتمدته الديبلوماسية الفاتيكانية منذ أشهر. وإذا كان الفاتيكان يشدّد في لقاءاته على خطوة جمع المسيحيين وضرورة انتخاب سريع لرئيس الجمهورية، فإن ما نقل إليه أخيراً صب في هذا المنحى.

والأمر نفسه ينسحب على السعودية. فحلفاء الرياض من المسيحيين يتحدثون عن عدم تدخلها في موضوع ترشيح فرنجية وامتناعها عن الضغط عليهم. في المقابل، فإن الثقل المعول عليه هو الأصوات السنية التي تراهن عليها الأحزاب المسيحية لتصب لأزعور. وهناك شبه اطمئنان إلى أنها ستكون تدريجاً معه، وأن السعودية في حال تدحرج مسار ترشيح المعارضة خارجياً في منحى واحد، ستصبح أقرب إلى أن تجهر بموقفها أكثر من أي وقت سابق. علماً أن أصواتاً سنية وازنة من داعمي أزعور لا تزال على تواصل إيجابي مع الرياض، بخلاف بعض المحيطين السابقين بالرئيس سعد الحريري الذين نشطوا لتطويق ترشيح المعارضة لأزعور على خلفية الخلاف مع الرئيس فؤاد السنيورة. مع أن هناك جزماً من المعارضة بأن الحظر لا يزال سارياً على هذا الفريق بعدم التدخل في انتخابات الرئاسة، ما يعطي لمؤيدي أزعور مجالاً أوسع للتحرك عربياً وخليجياً.

 

يبقى الموقف الفرنسي الذي تعبر عنه إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانزعاج من المسار المستجدّ الأخير. فيما جرى تطويق مماثل لما حصل سابقاً بعد مباركة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لفرنجية إثر لقائه الرئيس سعد الحريري. ومجرد اصطفاف القوى المسيحية الثلاث الأساسية، ومعها بكركي، خلف مرشح واحد ضد مرشح الإليزيه، فهذا يجعل عمل الديبلوماسية الفرنسية أقرب إلى الفشل وليس مجرد انتكاسة.

وفقاً لذلك، من الصعب التعاطي بأن ترشيح أزعور سينتهي في غضون أيام، كما يعول معارضوه الذين تحدثوا عن أيام قليلة ويصبح الترشيح «وراءنا». وإذا كان ترشيح النائب ميشال معوض استمر سبعة أشهر، مع كل الانقسامات التي شهدها ملف الرئاسة، فكيف يمكن أن ينتهي ترشيح أزعور مع التحول المفصلي الذي أحدثه بتبني المعارضة والتيار له خلال أيام. ورغم أن الساعات القليلة الماضية حولت الأنظار عن مغزى الاتفاق بين المكونات السياسية المعارضة والتيار، نحو ما يجري داخل التيار من خلافات حول الترشيح، إلا أن الحركة الديبلوماسية والسياسية الخارجية نشطت للتعاطي بجدية مع هذا التحول.

 

وفي حين أن حزب الله علق على الترشيح من زاويتين مختلفتين، واحدة شديدة اللهجة وأخرى أكثر اعتدالاً، إلا أنه في الحالتين، ثمة استحقاق أساسي يواجهه الحزب، ولا يتعلق بموقف واشنطن. فأي تبنّ سعودي تحديداً لأزعور، سيكون من الصعب التعامل معه كأنه لم يكن، في ظل مناخ التفاهم السعودي – الإيراني. إلا إذا صح الكلام في دوائر سياسية عن تراجع في منسوب هذا التفاهم وانعكاسه لبنانياً. وفي الانتظار، ستكون محطات ترشيح أزعور من الآن وصاعداً عرضة لكثير من الالتباسات والتوقعات التي قد لا تكون إيجابية.