IMLebanon

مبادرة رئاسية بدعم «الخماسية»

 

 

 

عند توْلِية العماد جوزف عون الرئاسة الأُولى رادودتْنا الآمال بأننا في لبنان سنعيش عهداً خالية المناصب السيادية والوزارات عموماً من عناصر حزبية، وهذا لأن سنوات مضت كانت شديدة الوطأة على لبنان الوطن والمواطن من أثقال التحزب كلاماً وسلاحاً وإنتماءات خارجية وبما تجعل هذه في حصيلتها حالة الوطن غير مستقرة. وعندما لا يكون الوطن مستقراً فإن المواطن يتأثر في حياته العامة، والشواهد كثيرة على مدى سنوات.

وأما دواعي الآمال فلأن رئيس البلاد ليس حزبياً ولا متحزباً ولا حاضِنَ حزب دون غيره من الأحزاب. وقد أظهر نهج قيادته للجيش وتعامُله مع الأحداث والمناكفات ذات الطابع الحربي ذلك.

 

وإستبشر اللبنانيون وناصروهم من القادة العرب بالذات إرتياحاً وعندما تم التوافق عربياً ودولياً وإرتضاء ذلك لبنانياً على أن تكون هنالك حكومة واجبها وضْع الوطن في مدار التصحيح تكفيراً عن فواجع أزمان مضت، وأن يتم لترؤس الحكومة إختيار شخصية غير حزبية ولم يسبق لها أن إتخذت في سنوات مضت مواقف من الصراعات السياسية والحزبية. وساد التفاؤل لمجرد أن بدأت المشاورات لإختيار الوزراء. وبدل أن يتم ذلك في منأى عن الحزبية والتحزب فإننا وجدْنا أمام الوضع اللبناني المثقل أصلاً بالتناقضات، إصراراً من الأحزاب على أن يكون الوزراء في الحكومة من هذا الحزب أو ذاك أو أولئك، بل إن هذه الحقيبة الوزارية لهذا الحزب وتلك للحزب الآخر وعدا ذلك فإن الحكومة لن تتشكل وأن الرئيس المكلَّف التشكيل سيسلِّم أوراقه ويعود سريعاً إلى مِن حيث أتى في محكمة العدل الدولية التي ترأسها وكان موضع ثقة المجتمع الدولي به. لكن الدكتور نوَّاف سلام ربما شغفاً منه بالتحدي وممارسة اللعبة السياسية حتى منتهاها، فضلاً عن مناخ إرتياح شعبي نسبي بتكليفه دون غيره لترؤس الحكومة بإعتبار أنها التجربة الأُولى له في ممارسة السياسة، قرر أن يبقى في الميدان يواجه برصيد سمْعته ما سيوضع أمامه من عراقيل وبحيث يكون بعض الأشخاص للتوزير من إختياره، وبالذات الوزارات ذات التأثير في مسيرة الإصلاح وإعادة الثقة بلبنان وترميم سِمعته التي نالت من الأذى والإيذاء المتعمد أقصاهما.

 

لم يتحقق مُراد رئيس الحكومة المكلَّف  الذي كان في ما رسمه للتشكيل الحكومي يرى إسناد منصب وزير الخارجية إلى شخصية غير متحزبة وذات سمعة دولية، لكنه فوجئ بإصرار الدكتور سمير جعجع على أن يكون وزير الخارجية من «القوات اللبنانية» وإختار يوسف رجي وهو شخصية مرموقة في «القوات» وذات باع في متابعة التطورات السياسية الدولية (بحُكم تدرُّجه في العمل الدبلوماسي لدى السفارة في بروكسل والإتحاد الأوروبي وواشنطن وجنيف ثم سفيراً للبنان لدى الأردن وقبْل ذلك قائم بالأعمال لدى سفارة لبنان في كل من كوريا الجنوبية وساحل العاج والرباط وإلى ذلك مدير المراسم في وزارة الخارجية ومدير مكتب الأمين العام للوزارة للشؤون السياسية والقنصلية، وهذا يعني أنه أمضى نصف عمره حتى إسناد منصب وزير الخارجية إليه في العمل الدبلوماسي الرحب عربياً ودولياً) ليكون الوزير وفي برنامجه غير المعلّن ورقة التشكيلات الدبلوماسية إلى جانب رؤى جديدة وفْق عقيدته القواتية. هنا يصبح الوزير يوسف رجي متأرجحاً بين الواجب الدبلوماسي والموقف الذي ينسجم مع عقيدته وجاءت عبارته التوصيفية في ذكرى يوم التحرير «جيش شعب مقاومة» بأنها  «ثلاثية خشبية» تُخرجه من عالمه الدبلوماسي وتضعه طرفاً في المشاكسة مع الطرف المتباهي بهذه الثلاثية والمتمسك بها عِلماً بأن رئاسة سابقة أوردت تصنيف «الخشبية» في بيان لها. وعندما كثر الرد بقساوة عليه من أصحاب الثلاثية، فإنه زاد التمسك بها واصفاً «حزب الله» بأنه «تنظيم مسلح خارج عن القانون» وبأنه «ليس شرعياً».

هذا الموقف من جانب الدبلوماسي المتمرِّس يوسف رجي، ليس من واجبه الوزاري إتخاذه وإنما هي مهمة من الطبيعي إيكالها إلى ناطق بإسم «القوات اللبنانية» وفي هذه الحال يبقى الكيان التوزيري غير عرضة للإهتزاز، فضلاً عن أن الرئيس القواتي الدكتور سمير جعجع إستبق وزير الخارجية مرات عدة في تسجيل موقف من «السلاح غير الشرعي لدى حزب الله» وبعبارات تتسم بالقساوة مثل «عسى أن يتعظ الممانعون في لبنان ويكفوا عن غيِّهم ويسلِّموا سلاحهم للدولة…». ثم حاول تبريد الإنفعالات من جانب «أصحاب السلاح والثلاثية» بقوله مناصراً وزيره «إن موقف وزير الخارجية هو في إنسجام تام مع البيان الوزاري، ولقد حان الوقت ليستقيل من الحكومة مَن يرفض بيانها الوزاري والتوجه الرسمي للدولة».

ما يُستحسن الأخذ به في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الوطن ليس المساجلات في أي حال (ومحاسبة «حزب الله» للأصوات التي صدحت بكلمة «صهيوني» ضد الرئيس نوَّاف سلام في مناسبة رياضية شبابية وإعلان المحاسبة في تصريح أو عبْر فضائية «المنار») وإنما مسعى من الرئاسة بدعم من «لوبي الخماسية» للقاء بين ممثلين للطيف الموحَّد الذي قد يرى أن صيغة «جيش شعب مقاومة» هي ما لا يجب التفريط بها ما دام الإسرائيلي يتعامل مع لبنان وكأنما سيصبح لقمة سائغة لإفتراسه من دون سلاح يتصدى له ولو في الحد الردعي، وبين الطيف المتعدد الأصوات الذي ينادي بطي ورقة السلاح و«تأهيل» لبنان لكي يأخذ دوره في مسلسل التطبيع كما سوريا الجديدة المبرمج لها أن تصبح رقماً تطبيعياً، إلى جانب الذين إختاروا وبكَّروا الإنتساب ومن دون قرار أو إستفتاء الشعب أو فتوى من الجامعة العربية، بدءاً بالمغرب وموريتانيا وصولاً إلى دولة الإمارات ومملكة البحرين مروراً بتطبيع لم يكتمل فصولاً في السودان بسبب الحرب العبثية من جانب جنرال جيش البلاد  عبدالفتاح البرهان وجنرال «الدعم السريع» حميدتي وهذه المسارعة للتطبيع مستندة إلى ما سبق وأقدم عليه تعاهداً الرئيس أنور السادات والملك حسين رحمة  الله عليهما.

وعندما نقول إن مبادرة رئاسية لجمع رموز الطيفين قد تُنهي السجالات وتقطع الطريق على لا قدَّر الله إحتراب أهلي، فلأن سماء العلاقات تزايدت غيوماً وقد تصبح حال لبنان مثل حال اليمن المشطور وأن اللقاء كما لقاء المتعاقدين سابقاً بين أنظمة عربية وكذلك بين الإدارة الأميركية والحكومة الإيرانية يحقق في الحد الأدنى قبولاً من جانب طرف بالآخر، وتلك عموماً بوابة الدخول إلى عُمق الأزمة أو الصراع بكامل التفاصيل، فضلاً عن أن مفردات التخاطب والمبالغة في عدم التواضع في التعبير لا تعود على الخشونة التي عليها وإنما على نحو الحكمة المأثورة للإمام علي «اللسان ميزان الإنسان والقول الجميل يُكسب المحبة فيما القول السيِّىء يورث العداوة»، والنصح الإنجيلي «لا تدينوا فلا تدانوا. لا تحكموا على أحد فلا يُحكم عليكم».

وهذه الأقوال الطيبة التي من المستحسن أن يتأمل فيها الدبلوماسيون برسم الطيفين ومن يلوذ بكل منهما ومِن ممتهني إشعال البيت اللبناني ناراً من خلال ما تحويه المواقع. والله الهادي إلى سواء سبيل الحفاظ على لبنان وإستعادته بالتدرج الوطن الثاني لكل الأشقاء العرب.