IMLebanon

الإستحقاق الرئاسي في العطلة الطولى

انتهت العطلة الطويلة للاضحى دونما ان تنتهي العطلة الطولى للاستحقاق الرئاسي. آخر حدث ذكّر به كانت زيارة جان ايف لودريان لبيروت قبل اسبوعين (21 حزيران) وانطفاؤها فور مغادرته. بعدذاك لم يؤتَ على اظهار اي اهتمام بانتخاب الرئيس بعد آخر فصوله في جلسة 14 حزيران

 

بعض الآمال القليلة المبالغ بها، ان الزيارة الثانية للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان منتصف هذا الشهر – اذا حصلت – قد تحمل أفكاراً اكثر جدية، قبل ان تتبخر الآمال تلك او تكاد في ضوء التطورات الاخيرة المستجدّة في بلاده وأعمال الشغب المتفاقمة في باريس وضواحيها ومدن اخرى. مع ذلك لم تفقد الفرصة الفرنسية حظوظها تماماً وان محاصرة بعقبات لا تحصى.

انتهت زيارة لودريان بلياقة افتقرت اليها زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون لبيروت في الاول من ايلول 2020 عندما جمع الطبقة السياسية التي اعتاد مهاجمتها في ما بعد، وطلب منها استعجال انقاذ بلدها باصلاح الاقتصاد. صدّق وعود أولئك الذين جمعهم على امل عودته اليهم مجدداً في كانون الاول وقد نفذوا تعهداتهم له. هم كذبوا كما قال الفرنسيون لاحقاً، وهو لم يعد. في ختام زيارة لودريان موفداً من رئيسه، لم يجد مَن كذب عليه او خدعه ممن التقى بهم، بل افصحوا امامه ما لن يُقدموا عليه وهو انتخاب اي منهم المرشح الآخر او المرشح الثالث. في الحصيلة كرئيسه خذلوه.

 

الى ان يعود لودريان مجدداً او لا يعود، يستمر الاستحقاق الرئاسي معلقاً بلا خيارات مفتوحة. ينتظر مفاجأة حيال ما يمكن ان يحدث او لا يحدث وما يسع الفرنسيين ان يفعلوه او يعجزون عنه:
1 – الاقرار بأن الدور الفرنسي الحالي اكثر من عادي واكثر من مألوف. لا يقتصر على القنوات الديبلوماسية المعتادة كوزارتيْ الخارجية ولا على السفيرة الفرنسية في بيروت، بل اضحى بين يدي الفريق اللصيق بالرئيس وعلى طاولته هو بالذات في الاليزيه. مستشاره الرئاسي ايمانويل بون ومستشاره لشؤون الشرق الادنى باتريك دوريل ووزيرة الخارجية كاترين كولونا ومدير الاستخبارات الخارجية برنار ايميه، مضافاً اليهم لودريان، باتوا فريق عمله المعني بملف لبنان. مقدار ما في وسعهم المساعدة على ايجاد الحلول، يملكون ما يكفي من الاسباب لتعثرها بسبب اختلاف اساليب المقاربات. ذلك ما لا يُلمس في الدولتين الاخريين الاقل اهتماماً، الولايات المتحدة والسعودية. كلتاهما مكتفيتان بدور السفير في بيروت.
2 – السؤال الاساسي الذي وجهه لودريان الى المسؤولين والقيادات اللبنانية التي اجتمع بها لا يملك ان يجيب عنه هو بنفسه في ضوء ما سمعه منهم، وهو كيف السبيل الى خروج لبنان من مأزق انتخاب الرئيس. من المنطقي ان لا يجيب عنه الموفد الفرنسي مع انه اصغى الى اجابتيْ فريقيْ النزاع اللذين تحدّث اليهما. كلاهما وجد الحل في انتخاب مرشحه هو للرئاسة وتأكيد رفضه القبول بمرشح الفريق الآخر. ليس ذلك فحسب التناقض الوحيد الذي خبره معهما، بل ايضاً عدم استعدادهما للذهاب الى مرشح ثالث يصير الى التوافق عليه.

 

لم يحلْ ذلك دون ان يستنتج لودريان ان كليْ الفريقين الرئيسيين، الثنائيين الشيعي والمسيحي، يخوضان في الاستحقاق ما يتجاوز معركة انتخاب الرئيس الى معركة كسر شوكة الفريق الآخر. ليس ادل على ضراوة هذه المواجهة سوى امساك كل منهما بفيتويْ الطائفة والنصاب، ومقدرة كل منهما على منع انتخاب الرئيس دونما التوقف عند تداعيات استمرار الشغور.
3 – لا يزال الوقت طويلاً قبل الوصول الى اقتراح مرشح ثالث يُخرِج الفريقين من مأزق التوازن السلبي، ولا كذلك الذهاب الى طاولة حوار تفضي الى هذا الخيار. من غير المؤكد حتى، امكان اخراج الاستحقاق من خلال مرشح ثالث. كلاهما عبّرا امام الموفد الفرنسي عن عدم استعدادهما للتخلي عن مرشحيْهما، وفي الوقت نفسه الاقرار بالعجز عن انتخابه. بذلك طرحا امامه مشكلة لا يملكان حلها برفض تراجع كل منهما خطوة على الاقل الى الوراء، ولا يملك هو الآخر الحل دونما الذهاب الى مرشح ثالث.
4 – ان التوازن السياسي الحالي، السلبي في معظم مظاهره، غير مسبوق منذ اتفاق الدوحة عام 2008 وانتهاء ذاك الى انتخاب الرئيس التوافقي ميشال سليمان. ذلك كان شرطاً اساسياً ايضاً لانتخاب خلفه الرئيس ميشال عون عبر التوافق الشيعي – السنّي لكن بأوسع غطاء مسيحي مثّله عام 2016 التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية. في الاستحقاق الراهن ثلاثة تحوّلات جوهرية اوصلته الى المأزق ووضعت الثنائيين الشيعي والمسيحي في واجهة الحدث وتعطيل انتخاب الرئيس:
اولها غياب او تغييب المرجعية السنّية الممثلة بالرئيس سعد الحريري بعدما كانت عاملاً حاسماً في ايصال سليمان وعون الى الرئاسة. لا شريك سنّياً حالياً بل تشتت الطائفة على قوى هزيلة صغيرة ضعيفة تحتاج الى ملاذ يُوجّهها. اكثر مَن احتاج الى المرجعية السنّية هذه في ما مضى حزب الله بالذات كي تستقيم معادلة الاستقرارين المذهبي والسياسي. في السنوات الثلاث الاولى في ولاية عون كان الحليف الفعلي والظهير غير المستغنى عنه الى جانب الحريري.

 

ثانيها انهيار شبه كامل لـ«تفاهم مار مخايل» لم يعد يشفع فيه كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل انه لم يتخلَّ عن حزب الله. على مهل تدرّج الحزب في الرد عليه بلا يأس الى ان اظهر اخيراً استغناءه الفعلي عنه. بعض المعلومات يجزم بتعليمات مصدرها امينه العام السيد حسن نصرالله الى قيادات الحزب بقطع اي تواصل مع باسيل وحزبه. لم يعد موت التفاهم مستمداً من انتهاء ولاية عون، بل أضحى ضرورة لحزب الله التخلص منه بعدما اكثَرَ عليه باسيل مفاجآته، ليس آخرها تعاونه مع حزب القوات اللبنانية لاسقاط ترشيح سليمان فرنجية. مقدار ما يبسّط التيار موقفه المناوئ لفرنجية ويعزوه الى عدم كفايته للمرحلة المقبلة، لا يجد حزب الله ما يفسر ما حدث سوى «خيانة» لا يسامح عليها.
ثالثها ظهور موقف مسيحي يسعه التجرؤ، من بين مرات نادرة منذ اتفاق الطائف، على النظام نفسه حتى، هو رفض حزبيْ القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر والشخصيات المسيحية المستقلة انتخاب رئيس يفرضه حزب الله عليهم. خلافاً لما رافق انتخابيْ سليمان وعون، كما قبلهما وبعدهما، اعتاد الفريقان المسيحيان ان يكون لكل منهما ظهير: سنّي لحزب القوات اللبنانية وشيعي للتيار الوطني الحر. هذه المرة يخوضان المواجهة معاً، وواحدهما يدير ظهره للآخر، في معزل عن الثنائية السنّية – الشيعية. كلاهما تخلصا من حليفين كانا ضروريين لهما طوال اكثر من عقد ونصف عقد من الزمن: نصرالله لعون ثم لباسيل والحريري لسمير جعجع. يُسمع بصوت عال في اوساط الاحزاب المسيحية مَن يقول ان عليهم هم اختيار الرئيس الماروني لا الذهاب الى مرشح يختاره لهم الحريري كما مع سليمان، وحزب الله كما مع عون.

 

اما العقدة في المنشار، فلا تزال نفسها: فرنجية عندما اختاره الحريري عام 2015 ثم عندما يختاره الثنائي الشيعي الآن.