IMLebanon

لا صحافة.. ولا حريّة

 

 

في عيد الصحافة وشهدائها، وصلت الصحافة الورقية إلى نهايات بائسة، الإفلاس يتآكلها، السوشيل ميديا زلزلت عرشها وقضت على حرية الرأي فقد قلم الصحافي سطوته فنحن نعيش زمن جيوش الذباب الألكتروني، أو جيوش الحروب الألكترونيّة، وفوق هذا وذاك ما زال تكميم الأفواه سيّد الموقف والاستدعاءات ومقاضاة كلّ رأي مخالف لرأي الحزب الحاكم.. مسكينة الصحافة في عيدها يتيمة و«ضيعان» دماء شهدائها الذين صدّقوا أنّ بإمكان الكلمة تغيير أقدار الشعوب والأوطان، صوت القتل أعلى بكثير من صوت الحريّة وجريان الدمّ على قارعة الوطن أهون بكثير من جريان الحبر في جسد الكلمة!

 

الحديث عن شجون وشؤون الصحافة و«حرية التعبير» يشبه «ملهاة» إغريقيّة «مأساوية»، لا أحد فضح خدعة كبيرة اسمها الصحافة كما فعل الفنان الراحل شوشو في آخر مسرحياته العام 1974 «شحادين يا بلدنا»، بل فضح بلاداً بأمها وأبيها تعيش على الهبات و«المعونات» الصديقة و«المكرمات»، وقد يكون الحديث عن القيود والحدود والممنوع والمسموح أجدى بكثير من الترويج لخدعة نرتكبها بحقّ قارئ هو أيضاً فاقد لـ«حريّة التعبير» لأنه واقع تحت ضغوطات كثيرة، عنوانها الأكبر والأبلغ هو «الخوف على لقمة العيش»، تحكمنا سلسلة طويلة من «الخوف» تتفاوت في حجمها من إنسان إلى آخر، تستدعي أن نصارح أنفسنا قبل من يقرأنا بأننا نشبه بعضنا وأن هذه السلسلة معقّدة إلى حدّ كبير يفضح معه «ضمائرنا» التي ترزح تحت عبء عبوديّات كثيرة لا يرفع أثقالها عنّا سوى إيماننا بالله وقدرته من فوق الجميع.

 

قد يكون أفضل تعبير عن المناسبة التي نتسابق فيها للتشدّق بالحديث عن التعبير وعن حريته هو أغنية شوشو فالحال أصبح أسوأ بكثير ممّا كان عليه في سبعينات القرن الماضي والمنطقة كلّها ترزح تحت عبء الأغنية التي تصلح أن تكون نشيد الحريّة و«حريّة التعبير» في العالم العربي:

 

شحادين يا بلدنا/ قالوا عنا شحادين/ نشالين يا بلدنا/ قالوا عنا نشالين/ محتالين يا بلدنا/ قالوا عنّا محتالين/ ونحنا مين يا بلدنا/ نحن شوية مساكين/ مظلومين يا بلدنا/ أيه وحياتك مظلومين/ عطشانين يا بلدنا/ والمي بخمس وستين/ جوعانين يا بلدنا/ وما عندنا رز ولا طحين/ طفرانين يا بلدنا/ وبالتعتير مليانين/ محتارين يا بلدنا/ ليش منشكي محتارين…

 

أراضينا للبيع/ للأغراب يا بلدنا/ جرايدنا للبيع للسفارات/ يا بلدنا/ ضمايرنا للبيع/ للجواسيس يا بلدنا/ على أونا/على دوّي/ على تري/ مين بدو يشتري مين/ نحن يا أهل المروة/ زبون العوافي ناطرين/ وزرا ونواب للبيع/ مدراء وحجّاب للبيع/ شعرا وكتاب للبيع/ كلو كلو للبيع»، هذه الأغنية تعرّي حقيقة وهم كبير اسمه «حرية الصحافة» و«حرية التعبير»، على أن نأخذ بعين الاعتبار أن شهداء الصحافة في أيار العام 1916 انقسم الناس بالرأي فيهما ـ كما العادة ـ إلى فريقين «شهداء» و«خونة»!!