IMLebanon

مشكلة.. “حزب الله”!

 

علي نون

يقيس السيّد حسن نصرالله أمور التأخير في التشكيل الحكومي سابقاً تماماً مثلما يقيس توعّده بالتأخير راهناً. أي أنه يعيّر “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” بأنهما كانا السبب في ذلك التأخير! و”الفكرة” عنده، أنهما تأخرا في “الانصياع” و”الإذعان” ولذا يتحمّلان مسؤولية ضياع أربعة أو خمسة شهور من العمر! وفي هذا لبّ الأمر وصفوته المصطفاة!

 

وتبعاً لذلك يقول اليوم إن التأخير ليس من عنديّاته! لكن من عند الذين يرفضون الإذعان لرأيه و”قراره” وحساباته وارتباطاته. وهذه حسبة استبدادية خالصة لا صلة لها لا بالدستور اللبناني ولا ببنوده ولا بتقسيم السلطات فيه ولا بالصلاحيات ولا بالأعراف المتّبعة ولا بأي شيء غير الذي ابتدعه “حزب الله” في لبنان، بدءاً من تسفيه الدولة فكرة ومؤسسات وفلسفة إجماعية وأدواراً رعائية ودستورية شاملة، مروراً بتسفيه قصّة الإجماع الوطني إزاء القضايا التي تهمّ أهل هذا الاجتماع كلّهم وصولاً في ذروة المسار إلى الجهر باحتكار مجمل “القرار” وكأن لا أحد غيره في لبنان..

 

أي إن الخلاصة المكثّفة والمختصرة هي أن الآخرين (وهذه قصّة في ذاتها) يأتون بالضيق والهمّ والضنى لأنفسهم لأنهم لا يختصرون المماحكة! ولا يرضخون لسلطان الحزب ولا لإرادته! ولا يقبلون “التخلّي” عن حيثيّاتهم و”حقوقهم” ودستورهم وأعرافهم، أمام حيثية الحزب المسلح و”حقوقه” و”دستوره الثوري” وأعرافه السارحة على هواها!

 

والحزب في موّاله الإيراني هذا يذهب هذه المرّة إلى حيث لم يذهب إليه أحد من قبل: كانت الانقسامات أيام الحرب الأهلية وفي الطريق إليها ولاّدة “آراء” كثيرة وكبيرة أهمها تلك الآتية من يأس قارص من إمكانية التوافق أو التفاهم أو التلاقي في نقطة وسط، بين المتخاصمين ثم المتحاربين.. ودغدغت مشاريع التقسيم أو ما يشبهها مضمون معظم الفرقاء بحيث أن “الحل” المثالي لذلك الانغلاق المدمّر، كان في رأي أصحابه هو أن “يعيش” كل فريق مع خياراته وآرائه ونظرياته.. وحصل ذلك في ذروة الحرب أو المذبحة التي استمرت حتى جاء اتفاق الطائف، وحقّق معجزة.. لا تزال قائمة وإن أصابها خلل!

 

لكن ما يفعله “حزب الله” حالياً هو أداء نزالي قتالي حربي جذري وانقلابي في زمن التسوية والطائف! وعلى البارد! وبعنف “نسبي”، بحيث أنه يكتفي بصيتِه المسلّح والمدرّع من دون أن يضطر أو أن يجد نفسه مضطراً لتقريش ذلك الصيت أو لترجمته مثلما فعل في 7 و11 أيار عام 2008 في بيروت والجبل.. مع أن المبرّر الوحيد الذي أُعطي ولا يزال لبقاء هذه الوضعية التسليحية هو مقاتلة إسرائيل ومقاومتها وليس مقاومة اللبنانيين ولا تحطيم دولتهم ولا تعريضهم للمحن مرّة تلوَ مرّة ولا تدمير مصالحهم ولا تخريب انتماءاتهم العضوية للمجموع العربي ولا خلخلة التزاماتهم بالشرعية الدولية وشروطها وتلقائيتها..

 

غير أن اللافت (وكل لافت فيه غرابة!) هو أن يعود السيّد نصرالله إلى قصّة “تبنّيه” الآخرين من “التحريض المذهبي”! وكأنه يقود حزباً ويُطلق ثقافة ويبني بنياناً ويُعمّم سردية ويمارس سياسة ويعتنق نهجاً غير ذي سند وحيد أوحد هو الذات المذهبية في أوضح تجلياتها وطقوسها وبيانها؟! أو كأنه “يحق” له الصدور والسير على هواه ذاك ولا يحقّ للآخرين المفترى عليهم بداية وخلاصة، أن يفعلوا ذلك؟!

 

أم تراه مُتبرّم ومنزعج من فشل محاولته لرمي المشكلة التي افتعلها على الرئيس سعد الحريري وحده وشخصياً؟! وفشل محاولة استفراده هذه المرّة بعد أن ضجّ الجميع من شدّة الغلوّ واستسهال الاستمرار في استنزاف لبنان وأهله حتى وهم على الأرض أو فوقها بقليل؟! واستسهال الاستمرار في “ثقافة الرهينة” وأخذ المجموع الوطني.. طوائف ومذاهب ودولة ومؤسسات واقتصاد ومال وحال وثقافة وسياسة، بالغصب والإكراه إلى الخزنة الإيرانية لتعويضها خسائر العقوبات والحصار.. وإلى المعارك الإيرانية لإعادة إحياء الطقس المألوف في أداء طهران حيث القتال بالواسطة والأدوات وعلى حساب تلك الوسائط والأدوات؟!

 

أم تراه يرفض حقيقة أن “التحريض المذهبي” ليس تهمة تامة هذه المرّة!! حيث أن الرئيس الحريري ليس وحده في موقفه على ما تؤكده الظواهر السياسية الواضحة أكان لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو لغيره بمن فيهم الرئيس نبيه برّي (والله أعلم!) أو الذين عيّرهم بالمسؤولية عن التأخير السابق أي “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.. وحتى “التيار الوطني الحرّ؟!

 

مشكلة توزير “سنّة حزب الله” هي مشكلة “حزب الله” وليست مشكلة الرئيس الحريري ولا معظم الطقم السياسي اللبناني.. لكن “مشكلة” اللبنانيين العويصة هي أن ذلك الحزب لا يراهم في جملتهم سوى وقوداً لحروب وارتكابات وحسابات إيران أساساً وتابعها الدمشقي فرعاً.. وليس غير ذلك!

 

علي نون