IMLebanon

وقائع إطلاق العسكريين تُعرّي «إنجازات المقاومين»

قيل قديماً «كل تأخيرة وفيها خيرة». تأخرت عملية التبادل بين الدولة اللبنانية و«جبهة النصرة« لثلاثة أيام، إلّا أنها تمّت. بعد انتظار دام حوالى العام وأربعة أشهر، عاد الجنود اللبنانيون الى أرض الوطن. المشهد الاحتفالي تنقّل بين بلدتَي عرسال واللبوة وساحة رياض الصلح، حيث انتظر أهالي العسكريين لشهور طويلة خبراً يثلج صدورهم. اختلطت دموع الفرح بالحزن. فرح بتحرير العسكريين الأحياء وحزن على الشهداء علي السيّد وعلي البزال ومحمد حميّة وعباس مدلج. فرح لاستعادة 16 عسكرياً لحريّتهم وحزن على عسكريين لا يزالون في قبضة «داعش«. وعلى مقربة من خيم أهالي العسكريين المحررين، خيم أمهات ينتظرن أبناءهن المفقودين في السجون السورية منذ عقود طويلة.

على مدى 3 أيام، رحلت عيون اللبنانيين الى معبر حميّد (نقطة التبادل)، بانتظار «الفرج». ذلك المعبر الذي شهد طيلة الساعات الماضية حركة متناقضة. تحركّات تُنبئ باقتراب موعد إتمام الصفقة، ثم ما يلبث أن يخيّم هدوء جديد ينبئ بالعكس. وفود عسكرية وطبية وصلت الى المكان وغادرته مجدداً. فرق الصليب الأحمر تترقب الأوامر للانطلاق في مهمتها. مراسلون يرابطون، صحافيون في محيط عرسال بانتظار ساعة الصفر التي طال انتظارها. 

تمّت العملية بنجاح بعد أيام من تعرّضها لعقبات أوحت بأنها قد تتعثّر. العقبات هذه وضعتها مصادر عسكرية لـ»المستقبل» في إطار مطلبين جديدين دخلا على خط عملية التفاوض في ربع الساعة الأخير. تقول المصادر «إن حزب الله دخل على قنوات التواصل للمطالبة بأن تشمل الصفقة جنوده الـ3 الذين أُسروا في ريف حلب الجنوبي في الأيام الماضية. إلا أن هذا المطلب ووجه برفض شديد لاعتبارات لها علاقة بالميدان السوري والمعارك الشرسة التي تُخاض شمال سوريا. والمطلب الثاني، بحسب المصادر، جاء من جانب «النصرة» التي طالبت بأن تتم العملية بغطائها الأمني، فكان لها ما أرادت.

انتشر مسلّحو «جبهة النصرة» بكثافة، حتى أن المشهد ظهر وكأنه استعراض قوة. اعتلت قنّاصتها أسطح المباني المجاورة لمواكبة سيارات الدفع الرباعي التي نقلت العسكريين تمهيداً لإتمام عملية التسلّم والتسليم. تقدّم الصليب الأحمر من الجانب اللبناني لتسليم المعتقلين المفرج عنهم، حيث فضّل بعضهم البقاء في لبنان. تسلّم الجانب اللبناني العسكريين وجثمان الشهيد محمد حمية، قبل أن يشقّوا طريقهم الى عرسال التي نحر أهاليها الخراف احتفالاً، واللبوة التي نثرت الأرز والورود.

هذا في الشكل. أما في المضمون، فالعملية تطرح الكثير من التساؤلات السياسية والعسكرية. أولاً، ظهرت «جبهة النصرة« بمظهر المسيطر والممسك بزمام الأمور في الجرود. وهذا يطرح تساؤلات حول كلام الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله قبل شهور قليلة، يوم قال، «إن إنجازات المقاومين جعلت يد الجيش السوري وحزب الله هي العليا في جرود عرسال والقلمون». حتى أن مطالب الجمعيات الإنسانية تحققت بعد سنوات من تعنّت من حاول شيطنة عرسال والمخيمات على أرضها. فالصفقة تنص على فتح معبر إنساني آمن بين مخيم اللاجئين في الجرود وعرسال بشكل دائم. وتم الاتفاق على تأمين الإغاثة للاجئين بشكل شهري من خلال جمعيات دولية. هذا إضافة الى تسلم الدولة اللبنانية لائحة قدمتها لجان اللاجئين وهيئة علماء القلمون، بأسماء الجرحى، لإدخالهم الى عرسال ولتسوية أوضاعهم وإقاماتهم القانونية. على الصعيد الصحي والإغاثي أيضاً، نصّ الاتفاق على تأمين المواد الطبية وتأهيل مستشفى عرسال الذي يفتقد الى أبسط المواد الإغاثية.. إضافة الى جعل وادي حميّد منطقة آمنة للمدنيين. 

طوت الحكومة اللبنانية ملف العسكريين لدى «النصرة»، فهل فتحت ملف التفاوض مع «داعش« لاسترداد من تبقّى من الجنود المختطفين؟ وسط كل ذلك، تترقب عشرات العائلات اللبنانية نافذة أمل قد يدخل منها ما يثلج صدور أمهات نمي إليهن أن أبناءهن لا يزالون في ظلام السجون السورية.. من دون أن تحمل اليهن أي جهة رسمية محلية أو خارجية الخبر اليقين!