IMLebanon

بـوتــيـــن الــرقــــم الصعب في أزمات المنطقة

 

لا شك أن «القيصر» الجديد كان ضابطاً رفيعا (عقيداً) في الـ«KGB» عند بدء إشاعة خبرإنهيار الاتحاد السوفياتي عام 1988 رغم أنه كان عند اللحظة الحاسمة رئيس وزراء للرئيس بوريس يلتسين. هذا الانهيار اعتبره بوتين صفعة على كرامته وشرفه كضابط النخبة السوفياتية «KGB» وصفعة أيضاً على «خده الأيمن لكنه لم يدر خده الأيسر».

لا شك أن انهيار الاتحاد السوفياتي ترك حقداً وجرح عميق في أحشاء القيصر الجديد والذي بحسب المقربين منه كان يؤيد الشيوعية ولو (بطريقة مختلفة متشددة أكثر) وكان يبلغ من العمر الثامن والأربعون عام. من المقربين جدا القدامى من بوتين أكدوا أن هذا الأخير بداء استرجاع ذكريات وأمجاد الأمبراطورية الروسية الكبيرة 1917 ـ 1921.

عند إنتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945 ولمواجهة الإتحاد السوفياتي والجزء الشيوعي من شرق وشمال شرق أوروبا (والذي كان يشكل خطر أكبر من النازية بحسب ونستون تشرشل تم إنشاء ما يسمى بالـ 1949 NATO )حلف شمال الأطلسي) 28 دولة من أهمها أميركا، فرنسا، بريطانيا، إسبانيا… ورد عليه الاتحاد السوفياتي والشيوعيون بما سمي آنذاك «Pact de varsovie»(حلف وارسو) في العام 1955لكنه كان ضعيف جداً، غير منظم وله إدارة مركزية واحدة هي موسكو لكنه كان فعال جدا على صعيد الأمن والمخابرات الداخلية.

عند سقوط الاتحاد السوفياتي والبلوك الشيوعي سنة 1990 سقط تلقائياً حلف وارسو وأصبح للعالم زعيم واحد هو الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي الـ«NATO»أدى ذلك إلى فقدان العالم أحد أقطابه وتزعمت العالم الولايات المتحدة الاميركية وتزعزع العالم ما أدى إلى كارثة كبيرة (عشرات الحروب بالوكالة والربيع العربي الذي برهن عن فشله وأدى إلى مئات ألاف القتلى وملايين المهجرين.

بداء بوتين منذ توليه مقاليد الحكم عام 2000 بمعالجة مشاكله الداخلية الاقتصادية والاجتماعية بصعوبة كبيرة جدا . مات الكثير منهم من الجوع ومن البرد، لكن بوتين استمر في إصلاحاته خاصة على صعيد البنى التحتية حيث كان يدرك تماماً بقــدرات روسيا النفطية والغازية الهائلة حتى أصبحت الان روسيا أول منـــتج ومصدر للغاز في العالم قبل إيران.

} الدب الروسي في مواجهة الـ«NATO» }

يعتبر الروس أنه بمجرد بقاء حلف شمال الأطلسي بعد العام 1990 أي نهاية الإتحاد السوفياتي وإمتددته نحو الشرق فإن الحرب مستمرة على روسيا عسكرياً وعقائدياً وإقتصادياً (خاصة أن الـ«NATO» يعتبر أن روسيا تمول الكثير من العمليات الإرهابية حتى الإرهاب الإلكتروني)، رغم زوال الشيوعية منذ أكثر من ثلاثين عاما.

أراد أولآ بوتين ضمان حدوده الجنوبية فأقام بدء ذي بدء تحالف إستراتيجي مع الصين ثم كانت حرب ومجازر الشيشان ثم حرب جورجيا سنة 2008 ولم يتدخل الغرب بتاتاً في هذان الصراعان ثم أنشاء بوتين ما سمي بـ(OTSC) (organization du traite de securite collective) ثم أتت أزمة تسليم الغاز لإوروبا بسبب خلاف مالي مع أوكرانيا بعد الحرب العالمية الاؤلى والثانية والتي كان مركزها ومركز شرارتها وأسبابها الأساسية أوروبية، لم يعد يثق بوتين بوحدة أوروبا موحدة بل عنصريات وخاصة ومجال حيوي للحياة دون أخذ في الحسبان مشاكل العالم الأسسية والدوغمتية وتسليم الأمن للأمركان بإستثناء الجنرال دوغول وفرنسا…

ثم أن العدوه اللدود، الولايات المتحدة الامركية أصبحت تسيطر عسكرياً على القارة العجوج بما معناه على أبواب روسيا.

ففاجأت روسيا الجميع وبتحدي واضح وصريح من روسيا إلى الـ«NATO» دون أي مبرر جدي وجوهري باستثناء الثورة في كييف قامت روسيا بضم القرم عام 2014 علما أن أوكرانيا قامت بتأجيرالجزيرة ومرفئها اللإستراتيجي سيباستوبول البحرية الروسية لحوالى سنة 2050 مع إمكانية التمدي.

هذا التصرف بحد ذاته ليس كبير الأهمية، لكن عندما تصبح السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة هنا يكمن الخطر. رغم ذلك لم تتحرك الناتو بل ذهبوا أبعد عندما بلغوا الأتراك بأنهم لن يتدخلوا في حال حصل صراع بين روسيا تركيا إثر إسقاط هذه اخيرة طائرتين روسيتين من نوع سوخوي وطائرة نقل تضم 27 عسكري إستشهدوا جميعهم مع العلم أن تركيا عضوا فعال في الـ« NATO» منذ عشرات السنين.

ويقول التاريخ أن للروس والأوكران جذور واحدة تعود للعام 800 ميلادية و هذه الجزور هي» السلاف « و قد يكون بوتين يحضر لضم أوكرانيا مجموعة إلي روسيا تحت شعار الشعور القومي يقول العميد الأميركي المتقاعد جامس توماس أن جزيرة القرم ليست مهمة عسكريا وإستراتيجياً بالنسبة لموسكو إنما ما هو أهم لأمن روسيا هو البحر الأسود حيث تقوم حالياً روسيا بإنشاء مرفء عسكري بقيمة 500 مليون دولار.

إذا ما يريد قوله بوتين لحلف الشمال الأطلسي أن روسيا وحلفائها خارج نطاق صلاحياتكم ويمكننا أن نفعل ما نشاء حيث ما نشاء وعندما نشاء وما لنا فقط وليس لكم رغم الحصار المالي والاقتصادي من قبل أميركا وأوروبا ما أدى الى سقوط صرف الروبل حوالى 40% إلا أن روسيا ردت بالمثل ومنعت إستيراد الكثير من المواد الأوربية الى روسيا. كما أن لبوتين سلاح فتاك إذ أن روسيا هي أول مصدر للغاز لأؤروبا بنسبة حوالى 60%.

من جهة ثانية و مقابل الصواريخ (interceptor) التي تنوي الولايات المتحدة نشرها في أوروبا الغربية «لإعتراض الصواريخ االإيرانية» والتي تعترض عليها موسكو فقرر بوتين في بداية 2015 نشر 40 صاروخ عابر للقارات إضافي نووي.

اذا الخلاف الاساسي بين روسيا والـ«NATO» هو من يقرر سياسة العالم للخمسين سنة المقبلة

أما الخلاف البارز والذي يزعج الجميع يبقى و ضع أوكرانيا. فهنالك 1576 كم حدود برية مشتركة بين أوكرانيا وروسيا. كما أن المسافة بين كييف وموسكو هي 900 كم خط نار أي يمكن لطائرة حربية قطع المسافة بخمسة دقائق فقط.

وبما أن حكومة أوكرانيا كذلك مواطنيه قد يطالبون أوكرانيا في يوم من الأيام من الانضمام الى الناتو مع ما يعني ذلك على الخريطة الدولية والجيوستراتيجية كما لروسيا هاجس عدم تكافء نوعية وكمية السلاح. فهي تدرك بان السلاح التي تمتلكه واشنطن وبالتالي الناتو يتفوق بكثير على السلاح ال روسي واسلحتها النووية اذ أن تبلغ ميزانية وزارة الدفاع الأميركية حوالى 600 مليار دولار اميركي سنويا، تبلغ ميزانية نظيرتها الروسية 50 مليار دولار سنويا، فرنسا 50 مليار دولار سنويا ، بريطانيا 40 مليار دولار سنويا

و يقول مراقبون أن جزء كبير من تدخل الروسي العسكرس الإستراتيجي والذي منع بالإضافة لحزبالله والحرس الثوري وبالطبع الجيش العربي السوري، داعش من السيطرة على سوريا أتى على شكل إستعراضي واضح رغم المهمة البالغة التعقيدات و هذا زاد الشعوب المضتهدة أملاً بدولة عظمى عسكريا وقيادة خاصة إذ أن قرر بوتين زيادة ميزانية دفاع روسيا 44% للثلاثة سنوات القادمة.

في العام 2015 دخلت روسيا الحرب السورية إلى جانب الجيش العربي السوري و حزب اللة وإيران لمحاربة داعش وإنقاذ النظام السوري من الإنهيار كما وقامت بمعارك مع داعش تخللهُ قضف مواقع داعش بال سوخوي وبصواريخ بالستية ومساندة الجيش السوري وإنتصر محور الممانعة في حرب سوريا بإعتراف أغلبية دول العالم. وأثبت الرئيس بوتين أنّهُ الرقم الصعب في المنطقة بإعتراف الولايات المتحدة الأميركية التي سلّمت مصير النظام السوري إلى بوتين. منذ ذلك الحين بدأ الزعماء العرب بالتوافد إلى موسكو طالبين رضا سيد الكرملين وأخرهما الرئيس الحريري الذي طالب الريس بوتين بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة والضغط على الرئيس السوري لإعادة النازحين. فكان جواب بوتين حسب مصادر مطلعة أنّ لا إمكانية إعادة النازحين سوى بعلاقات جيدة بين الحكومتين اللبنانية والسورية.

يمكن القول أنّ الحرب السورية شارفت على نهايتها بإنتصار الجيش العربي السوري بدعم كل من حزب الله والحرس الثوري وروسيا وأنّ الحل السياسي بدأ يحلق في الأفق بين موسكو وواشنطن مع إعتراف هذه الأخيرة بفوز موسكو بالحرب وبإمكان بوتين فرض شروطهِ في مؤتمر أستانا.

أضف إلى ذلك أن بوتين نسج علاقات مميزة مع تركيا وإيران رغم أنّ تركيا تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي و يتم التفاوض الآن بين أنقرا وموسكو بتسليح هذِهِ الأخيرة بصواريخ س400 لتركيا كما وبتسليح روسي لعدة دول عربية.