IMLebanon

العقدة القطرية.. والفرملة الخليجيّة  

تجمّدت العقدة القطريّة على خلاف كبير وإجراءات حاسمة إلا أنّها لم تُقدّم ولم تؤخّر في تغيير العقليّة القطريّة واستقوائها بتركيا أوّلاً ثم بإيران، ومن المؤسف أن القرارات الخليجيّة جاءت متأخرة جدّاً خصوصاً وأنّها تجاهلت جوهر الأزمة وصُنّاع السلوك القطري فاكتفت بمحاولة حسم مع «مشيخة» مستقوية تكذب على نفسها وعلى شعبها وتخوّفهم من رغبة الجيران بوضع اليد على الدولة الصغيرة مع أنّها لم تتعرّض يوماً لعدوان أو تهديد حقيقي من الجارة الكبرى السعوديّة!

ومن المفيد أن تتبصّر المملكة العربيّة السعودية وأن لا تتراخى وتترك الأمور جامدة في مواجهة «الاستكبار» القطري حتى لا يتكرّر نموذج الحوثيّين وسنوات الأزمة اليمنيّة، ولا يتكرّر نموذج بشّار الأسد في الجوار السعودي، خصوصاً مع تجرّؤ تركيا على عرض إقامة قواعد عسكرية على أراضي المملكة، وليس سرّاً أنّ حلم السلطنة العثمانية يراود رجب طيّب أردوغان، والسباق بات علناً وعلى أشدّه بين الأتراك والفرس لوضع اليد على الحرميْن الشرفيْن، المقاطعة كان يجب أن تكون تجاه تركيا وإيران لأنّ قطر ليست أكثر من ستار تختبئان خلفه لتحقيق مخططاتهما الكبرى!

هذه الأخطاء المتكرّرة في محاولات العلاج الموضعي بالمسكّنات الإعلاميّة والإجراءات الهزيلة، الخطأ نفسه يتكرّر وبنفس الأسلوب منذ انفجار الأزمة الفلسطينية في لبنان وتسبّبها باندلاع حرب أهلية تورّط فيها البعض الكثير من العرب تمويلاً وتسليحاً وظلّت دول الخليج العربي تمدّ أبو عمّار بالمال حتى أنهت إسرائيل وجوده في لبنان وتكفّل النظام السوري بما تبقّى، لا نفهم لماذا يترك العرب أزماتهم تكبر إلى هذا الحدّ بحيث يصبح حلّها مكلفاً جداً، نفس الخطأ تمّ ارتكابه مع مجيء الخميني إلى إيران، احتاج العرب إلى صدّام حسين ليحارب إيران عنهم، تكرّر الأمر في الكويت مع صدّام، ثمّ تكرّر مع تسليم لبنان للنظام السوري في الوقت الذي كانت إيران تبني فيه إمبراطورية الولاء الشيعي لها في دول العرب وبين ظهرانيهم!

الأكذوبة الكبرى التي استنبطها العرب كانت الحديث عن شيعة العرب وشيعة الفرس، والتجربة منذ ثمانينات القرن الماضي تكشف أنّ أكثر المبتهجين والموالين للخميني هم شيعة العرب، فيما كثير من شيعة الفرس كانوا يقتلون على يد الخميني في طهران، تجربة قطر طريفة إذ أنّها تقف على حبلين رجل على الحبل التركي الإخواني ورجل على الحبل الفارسي الإيراني، وقد تركها العرب أنفسهم خنجراً في ظهورهم، فيما هم يتهيّبون من اتخاذ إجراءات صارمة بحقّ تركيا وإيران، فكيف سيقدرون على تأديب قطر الخارجة على العرب والعاملة على الكيد لهم منذ أكثر من عقديْن من الزمن؟!

لا يستقرأ العرب التاريخ للأسف، لطالما استهان بهم الفرس ومارسوا تجاههم سياسة العدوان والتوسّع، دخلت تركيا الأردوغانيّة من حيث لم يتنبّه العرب من بوّابة الإخوان المسلمين الذي ظلّ تمويلهم من الخليج ونفطه، حتى جُنّت تركيا كإيران وظنّت أنّ بإمكانها استعادة سيطرتها على مصر التي «قطع لها ورقة» الألباني الذي أرسله العثمانيّون ليحكموا به مصر فاستقلّ بها عنهم، وما زالت محاولات أردوغان مستمرّة، من يذكر تصريحاته في بدايات الثورة السوريّة منذ لن نسمح بحماه ثانية ولا بحلب حتى أسفرت الأحداث عن أنّ هذه التصريحات لا تعدو كونها «هوبرة» فارغة، من يتذكّر اليوم سفينة مرمرة؟ وعنترياته على إسرائيل التي انتهت بإعادة تطبيعه العلاقات مع إسرائيل، ليتفرّغ لزعزعة أمن مصر بالتكافل والتضامن مع إيران التي تتولّى زعزعة أمن المنطقة والمملكة، فيما قطر لم يتجاوز دورها حجم البوق الإعلامي، فلم توازي بكلّ أموال الغاز الطبيعي وهي دولة خطورة دويلات الإخوان المجرمين ودويلات إيران وخلاياها الشيعيّة النائمة في المنطقة برمّتها، أخطر ما يواجه المملكة العربيّة السعوديّة فرملتها للموقف الخليجي من أزمة قطر وعقدتها، وللأسف هذه الفرملة في مصلحة قطر ومن ورائها تركيا وإيران!