IMLebanon

“فترينة” الوطن

ربما عبرت أزمة رواتب العسكريين بعدما افترشت أرصفة الشوارع وصارت مضغة المقاهي والصالونات. لكن حلها لا يلغي مغازي تعقيدها: صارت الدولة في “فترينة” تعرض جسدها للناظرين، بعد أزمة الفراغ الرئاسي، وأزمة شلل الحكومة، وأزمة البطالة المقنّعة لمجلس النواب.

هان مشهد التنافر على مكبات النفايات أمام توسط هذا و ذاك، لدى ذاك وذلك، للإفراج عن رواتب العسكريين، اذ صارت هذه موضع استجداء، وتسجيل نقاط على لوحة التنافس السياسي وادعاء الغيرة “الوطنية”.

غياب الاستباق هو الخيط الرفيع بين كل هذه الأزمات المعلقة، و”النفايات” عنوانها الأول. خيط آخر هو الانتهازية السياسية، سواء منها الشعبوية الرخيصة، كإشتراط سداد أموال البلديات المستحقة منذ 2001 الى اليوم، فيما الخزينة لا توفر رواتب العسكريين، أو اشتراط إلتزامات على الرئيس العتيد بما يتناقض والدستور، وفوقه الوفاقية التي تعزف “8 آذار” على وترها، حين تحتاج اليها، وتعزف عنها حين لا تناسبها، وآخرها “أن يكون الرئيس مؤيداً للمقاومة”، متجاهلة أن هذه وسلاحها ليسا موضع إجماع وطني، تحديداً منذ جريمة “7 أيار”، يوم انتقل “سلاح المقاومة” من أبطال التحرير إلى زعران الحارات والأزقة.

يؤجل انتخاب رئيس الجمهورية منذ نحو سنة ونصف بالإمتناع عن توفير النصاب (المحرّف)، ويموه بعناوين مبتدعة منها “الرئيس القوي”. لكن هل من يجهل رهان الحزب إياه على نصر إقليمي لأربابه في طهران، أو إلزام قوى 14 آذار بـ”إتفاق إذعان” يوصلان مواليه إلى بعبدا؟ والأمران قريبان إليه قرب السماء من الأرض.

مع ذلك يستمر في الرهان، وتتخلخل بنية الدولة، ويجعل الصمت يأكل أصواتنا أمام الدرك الذي يدفع الوطن إليه، ويبلد أحاسيسنا قدام الوأد الذي نعيشه، ونكاد نستسلم لتشويهه الديموقراطية، وزعمه وجوها لها، ينحلها بالتخويف على مصير “القضية” حيناً، والتلويح في، أكثر الأحيان، بسلاح قيل إنه من أجل هذه القضية.

انتخاب رئيس الجمهورية ليس ترفاً يؤجل. إنه واجب ملزم، فهو “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور”. وما التعطيل الذي تشهده البلاد إلا تأكيد على أهمية دوره ومحورية صلاحياته، فيما تمديد الفراغ ليس إلا نقيض وحدة الوطن، واحترام الدستور، واستقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه، أي كل ما يأتمنه عليه الدستور في المادة 49 منه.

ليس رئيس الجمهورية، أيا يكن، من يحل أزمة النفايات، أو من يؤمن رواتب العسكريين، وغيرهم، أو يوفر التغطية لسلسلة الرتب والرواتب، لكنه حارس الدستور وحامي مصالح الوطن والمواطنين.

لأنه كذلك، يفلت حزب الأمين العام عدَّاد الأيام على غاربه، و”يتفنن” بمواصفات الرئيس، إلى أن توائمه اللحظة، أو يصبح خلفها.