IMLebanon

رفيق الحريري الثورة الهادئة (4)

«أريد بسطة كف أستعين بها على قضاء حقوق للعلى قبلي والدهر يعكس آمالي ويقنعني من الغنيمة بعد الكد بالقفل (لامية العجم للطغرائي)

 

عاد رفيق الحريري إلى الحكم رغماً عن إميل لحود سنة 2000 بعد أن أدرك من أبعده سنة 1998 حاجته إليه لكي يستمر وضع لبنان ومؤسساته بقرة حلوباً لمنظومة القوى المهيمنة على لبنان وسوريا. يعني أن يصمد الإقتصاد ولكن مع الفساد ومع استحالة تحوله إلى حركة جامحة تتخطى الهيمنة الأمنية والسياسية التي تمارسها القوى التقليدية في لبنان وسوريا. مع علم رفيق الحريري بكل ذلك، شمر عن ساعديه وانطلق في محاولات جديدة بعد أن استفاد من التجارب السابقة في السياسة والإقتصاد.

الإنعطافة الكبرى أتت مع عملية البرجين في نيويورك وما تبعها من تداعيات غيّرت وجه العالم. أصبح العالم يومها حسب قول «أسامة بن لادن» مقسوماً إلى فسطاتين، وساهمت تصرفات وتصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش يومها في دعم أقوال بن لادن في التوجهات الأميركية لتجريد حملة صليبية ضد «الثقافة» الإسلامية، فأصبح عندها الدين الإسلامي وأصول تعاليمه العدو رقم واحد للإدارة الأميركية. وقد تمثل ذلك في الضغوط الكبرى التي مورست على الدول السنية لتعديل برامجها التعليمية المستندة إلى القرآن. في الوقت نفسه برزت بوادر انفتاح تجاه القوى الشيعية أنتج تعاوناً واضحاً بين الولايات المتحدة وإيران خلال الحملة على أفغانستان. كما أن الإدارة الأميركية استثنت المنظمات الشيعية الواسعة الإنتشار، ومن ضمنها «حزب الله»، من مسألة تقييد النشاطات وتجميد الأرصدة، في حين تم خنق كل المؤسسات السنيّة، وحتى الإنسانية منها.

برزت شائعات عندها عن مشروع «هلال شيعي» يقسِّم العالم الإسلامي وينقل دائرة الصراع إلى قلبه لإضعافه ولتسهيل السيطرة عليه، يعني ضرب التطرف الديني العشوائي بتطرف آخر منظم .

في هذا الوقت شهدنا الرئيس الشهيد في حركة مكوكية بين تركيا وباكستان وماليزيا ومصر والسعودية والأردن بالإضافة إلى عواصم القرار الاوروبية في محاولة لإبراز خطورة هذا المشروع على الأمن والسلم العالميين. وقد كان يحاول طرح مشاريع حوار وتفاهم بين قوى الإنفتاح الإسلامية وبين الغرب بدل مشاريع المواجهة المفتوحة التي أطلق عليها لقب «صراع الحضارات». لقد لاحظنا في تلك الفترة التمايز الذي أبدته القوى الاوروبية، وفي طليعتها فرنسا، عن الموقف الانغلوسكسوني بالنسبة الى احتلال العراق، وهو الواقع الذي قد يكون للرئيس الشهيد دور ما في إرسائه. 

لقد انطلق الرئيس الشهيد من قناعة راسخة بأن قوى الخير هي الظافرة أبداً مهما كانت العقبات، وعلى الرغم من أنه كان يعلم أن حياته مهددة كل الوقت، فإنه كان مصراً على الإستمرار في محاولة انتاج حلول مفيدة تحرج الطرف المعطل وتضعه في موقع العاجز عن المواجهة. هنا انطلق مشروع «باريس 2« لتعويم الإقتصاد اللبناني والبدء بمسار انقاص الدَين العام من دون اللجوء إلى التقشف القاتل للنمو الإقتصادي الذي اعتمدتة حكومة الرئيس الحص وأدى إلى كارثة كبرى على مستوى النمو مع زيادة كبيرة في الدين العام. 

لم تكن الإدارة الأميركية يومها متحمسة لذاك المشروع يوم عرضه الرئيس الشهيد على الرئيس جورج بوش ، وقد رشح كلام غير ودي حصل في اجتماع البيت الأبيض بين الرئيسين سرّبه بعض الحضور بخصوص الملك السعودي، ونشرته وسائل رئيس الجمهورية يومها للإمعان في التخريب على الرئيس الشهيد. مع ذلك فقد حقق مؤتمر باريس 2 نجاحا لافتاً بمقرراته بناء على الثقة بشخص الرئيس الحريري التي كان يتمتع بها من قبل الزعماء المشاركين في المؤتمر.

رفيق الحريري كان وحده مهموماً على الرغم من نجاحه، فأسرّ إلى من حوله بأن هذا النجاح بالذات سيكون سبباً لانطلاق حملة جديدة عليه في لبنان تحت شعارات شتى لمنعه من تحقيق نجاح ما قد يسجل في خانته بمواجهة مشروع تأبيد وجود النظام الأمني السوري – اللبناني.

كان أهم أركان نجاح «باريس 2« هو خصخصة بعض من القطاع العام لتخفيض التكاليف وتحسين الإنتاجية، وكان هذا الموضوع أهم سبب للإنقضاض على الرئيس الحريري من بوابة اتهامه «ببيع القطاع العام واستهداف الطبقة العاملة!»، كما أن بشار الأسد بالتعاون مع إميل لحود فرض تغييرا حكوميا في لبنان وضع مؤيدي الرئيس الحريري في موقع الأقلية مما عاق بشكل كارثي إمكانية الإفادة من تقديمات المؤتمر الذي أصبحت مفاعيله بسرعة في مهب الريح بسبب الإبطاء المتعمد في تطبيق الإصلاحات المطلوبة.

أظن أن خيار اغتيال رفيق الحريري أصبح قيد التداول في ذاك الوقت، والسبب الرئيس لم يكن الإقتصاد، بل كان الدور السياسي الذي كان موكلا به لإدارة مواجهة مشروع الصراع المذهبي الذي كان يسعى إليه بعض من في الإدارة الأميركية بالتفاهم مع مشروع ولاية الفقيه.

البقية آتية.