IMLebanon

إرفعوا أيديكم عن القطاع المصرفي!

لم يدرك حزب الله بعد، أو لنقل أنه كان يدرك ويعي وعياً تاماً لكنه لم يكن يعبأ قط بالتبعات والذيول والنتائج المدمرة لمجمل سياساته المغامرة على الصعد كافة على الوضع اللبناني الهش، سواء كان ذلك الحياة السياسية أو النسيج الاجتماعي المتخم بالاحتقان المذهبي أو وضعه الأمني المهدد دوماً بالانفجار لنصل بعدها إلى هذا الإقرار بأن قطاعه المصرفي أصبح بدوره معرّضاً للاهتزاز والتصدع والبوار والدمار.

فالمرحلة السابقة التي شهدناها في ما يتعلق بقبول الاتحاد الأوروبي وأميركا والغرب بشكل عام بتصنيف الجناح السياسي للحزب أنه ليس إرهابياً وحصر تهمة الإرهاب بجناحه العسكري قد انتهت. وكان ذلك بتصورنا مرده لمحاولة ذكية من الغرب خلال المفاوضات المديدة مع النظام الإيراني لحل مشكلة نشاطه النووي والحؤول دون توصله لحيازة السلاح النووي، ذلك أن الدول المعنية بمتابعة تلك المفاوضات كانت تعلم أن حزب الله اللبناني ليس في حقيقته سوى إحدى الأذرع العسكرية لذلك النظام وهي تنشط وتعمل وتنفذ أجندة إيرانية ميدان نشاطها المنطقة العربية من أقصاها لأقصاها. وقد جاءت الحرب الأهلية السورية واهتزاز وترنّح النظام الأسدي ليصبح قريباً من السقوط لتبرهن على صدقية هذا التصنيف عندما أرسل حزب الله مقاتليه للمساعدة في الحؤول دون سقوط الأسد ونظامه. فمن التورط المحدود حصراً بالقرى المتاخمة لحدودنا للتوغل في ريف دمشق وصولاً إلى حلب وإدلب انقشع المشهد بوضوح، إن حزب الله اللبناني في سوريا ما هو سوى احتياط عسكري ميداني جاهز أبداً للتدخل لنصرة الأسد.

إلا أن الحزب لم يكتف بتورطه السوري هذا، بل ذهب أبعد من ذلك إلى العراق واليمن. وقد أظهرت الوثائق والأدلة قيادات عسكرية تابعة للحزب وهي تنسق وتقود العمليات وتقوم بالتدريبات والتوجيهات العملانية لخوض المعارك هناك.

وقد فاقم هذا الوضع حدة تورط الحزب في ادارة شبكات وخلايا ارهابية بدت مهمتها زعزعة الأوضاع الداخلية في الكويت والبحرين وسواهما من دول الخليج، بهدف اسقاط انظمتها بالعنف المسلح. فأصبحت حال الحزب في ظل أوضاع المنطقة انه قد تحول الى جيش للتدخل السريع.

بل اكثر من ذلك عندما لم يترك الحزب بوسائل اعلامه وماكينته الدعاوية فرصة سانحة الا ليجعل منها منصة لكيل الاتهامات للمملكة السعودية وهي العمود الفقري للدول العربية المناهضة للتدخل الايراني.

وبسبب تعقيدات الوضع اللبناني واستمرار التوتر المذهبي الاسلامي عندنا، واستمرار تعثر الوصول الى مخرج مقبول لشغور موقع الرئاسة الأولى وعجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد وعدم قدرة الحكومة على لجم سياسة العداء للعرب التي ينتهجها حزب الله قامت الرياض بإلغاء صفقة السلاح الفرنسي التي تكفلت بتغطية أكلافها.

كان الاسوأ من كل هذا تلك المعلومات الموثقة بالأسماء والعناوين وكامل السجلات عن لبنانيين في الخليج وكندا واميركا واوروبا نفسها يقومون بتمويل حزب الله بالمساعدات المالية المتواصلة عبر مصارف لبنانية تتصل بمؤسسات في ما وراء البحار تنتحل اسماء وهمية او صورية. وبديهي ان تبادل المعلومات بين أجهزة استخبارات تلك الدول قد افضى الى معلومات مذهلة. وكان أسوأها تلك المعلومات التي وضعت المتهمين في خانة الاتجار بالمخدرات والاسلحة وسواهما.

ان القطاع المصرفي وهو القطاع الوحيد الذي لم يتعرض بعد في اقتصادنا المأزوم قد اصبح بدوره مهدداً الآن. فثمة اجراءات ليس بمقدور مسؤولي هذا القطاع التهرب او التلكؤ من تنفيذها والا فقدنا آخر ما تبقى لنا من ثقة العالم الخارجي بصدقية الدولة اللبنانية وتحولنا عندئذ الى دولة مارقة.

الم يكفنا ما جرّته علينا سياسة التورط في النزاعات الاقليمية والعربية ـ العربية على وجه الخصوص من تداعيات كارثية كانت أسوأها دعوة الإرهاب إلى أرضنا وقرانا؟

ألم يكفنا بوار الإنتاج الزراعي واتباع سياسة الحدود المفتوحة أمام الصادرات السورية من دون أي اعتبار لقواعد الروزنامة الزراعية؟

ألم يكفنا القطاع السياحي المشلول بالكامل حيث أتت سياسة العداء للعرب أُكلها كما نشاهد حيث ينعب اليوم على الفنادق والمنتجعات ومطاعم ومقاهي لبنان من الجبال حتى وسط بيروت؟

ألم يكفنا انقطاع فاضح للكهرباء وتلاعب السياسيين في ملف سد جنّة في وقت تذهب مياهنا العذبة هدراً إلى البحر؟

ألم يكفنا الأمن المتفلّت من كل قيد، في ظل هيمنة السلاح غير الشرعي؟

ألم تكفنا أعباء أكثر من مليون ونصف مليون سوري نازح عندنا يضغطون على سوق العمل ولقمة الحرفيين والشغيلة اللبنانيين الحلال، حيث تصرف بعض الشركات موظفيها اللبنانيين طمعاً برواتب متدنية لنظرائهم من السوريين؟

إن الإجراءات الحكيمة التي يتبعها حاكم مصرف لبنان بضرورة الانصياع لمنطوق قرارات المؤسسات المالية العالمية، هي إجراءات الضرورة القصوى لتحييد القطاع المصري عن الصراعات الإقليمية والدولية. دعوة لسماع صوت العقل والحكمة قبل فوات الأوان.