IMLebanon

قراءة في عودة الحريري

خلقت عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان دينامية ملحوظة منذ أن حطت به الطائرة في المطار… عبّر عن ذلك الحراك الكبير بدءاً بخطابه في قاعة «البيال» في الذكرى العاشرة لاستشهاد والده المرحوم الرئيس رفيق الحريري حتى الإجتماعات القيادية في تيار المستقبل، مروراً بالإجتماعات الكبرى التي عقدها مع الأطراف الأخرى، خصوصاً القيادات المسيحية الثلاث ميشال عون وأمين الجميل وسمير جعجع…

وهذه الدينامية تكشف بضع حقائق منها:

أولاً – إن هناك حاجة ملحّة لعودة الشيخ سعد الى لبنان وجعله منطلقاً الى تحركاته في المنطقة والعالم، وليس العكس كما هو الوضع اليوم.

طبعاً هذه النقطة لا يمكن التطرق اليها من دون أخذ الوضع الأمني في الإعتبار. والمخاطر ذات الصلة. وهو ما لا يمكن أن يقرره أحد إلاّ الرئيس سعد شخصياً وفق ما تتوافر لديه من معلومات وتقارير، وما يتكون لديه من إقتناع.

ثانياً – إن لبنان في حاجة ماسة الى أن تستقيم فيه أوضاع الحكم إنطلاقاً من ضرورة إعادة تكوين السلطة.

يواجه لبنان عواصف متلاحقة ليس في الطبيعة وحسب، بل خصوصاً في الأمن والتطورات المتعاقبة عليه وعلى دول المنطقة، وهي من الخطر والأشد خطورة.

وإذا كان لبنان قد نجح، حتى الآن، في «معايشة الخطر» فإنّ أي دعسة ناقصة، بل أي هبوب قوي للرياح الآتية من هنا وهناك قد يعيد الأمور الى نقطة الصفر الأمنية، فيقع المحظور لا سمح اللّه.

وأضعف الإيمان أن يتعاضد الأطراف فليتفقوا على إعادة تكوين السلطة بدور قيادي لسعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء، طبعاً بعد أن يكون جرى إنتخاب رئيس للجمهورية، ذلك أنه يتعذر تشكيل حكومة مع الفراغ في الموقع الرئاسي. فآلية ما بعد استقالة الحكومة بين قبولها والتكليف والتأليف تقتضي وجود رئيس للجمهورية يصدر المراسيم ذات الصلة، وهو ما لا يمكن (دستورياً) أن يتولاه أي مجلس للوزراء ولا الأربعة والعشرون وزيراً مجتمعين … علماً أنه في هكذا حال تكون الحكومة قد أضحت خارج الحكم، فقط لتصريف الأعمال.

وهذا لا ينتقص من دور الحكومة الحالية ورئيسها تمام بك سلام الذي يتحمل ما لا طاقة لبشري آخر على تحمله من ممارسات ومن غنج ومن دلال ومن تمادي في الغنج والدلال.

ثالثاً – إن المبدأ الذي توصّلت إليه الجولة السادسة من الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله هو أمر لا يستهان به ابداً. عنينا به التوافق على مبدأ الاستراتيجية الوطنية لمواجهة الإرهاب. وهذه القضية تطرح ذاتها بقوة في هذه المرحلة بعدما أصبح لبنان في قلب المعضلة الإرهابية، وأصبح الإرهاب في لبنان وليس فقط يدق أبوابه في تلك الجرود العالية.

ويقدر لسعد الحريري تركيزه على هذه المعضلة التي تشكل، في المرحلة الراهنة، الخطر الأول الداهم، خصوصاً وان المناوشات متواصلة، يومياً، منذ أشهر في جرود عرسال ورأس بعلبك (…). علماً أن مأساة إختطاف الجنود العسكريين في الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي (16 مع النصرة و 7 مع داعش) ما تزال تشكل جرحاً مفتوحاً وكبيراً.

إن عودة الرئيس سعد الحريري، وإن كانت محكومة بالجانب الأمني، تكشف كم أنّ لبنان في حاجة الى اصوات إعتدال فاعلة، واتن تفجير هذا الوطن ليس قدراً محتوماً  إذا تحوّل الإعتدال الى موقف مبدئي وممارسة على الأرض… وهو ما يتميز به الحريري.