IMLebanon

ركوة قهوة

 

يتناول الشاب ركوة قهوة من على رف متجره البيروتي، وذلك لدى سؤاله عن حال قريته ميس الجبل، بعد العدوان الإسرائيلي، ليجيب: “لم يبق من المنزل إلا الركوة هذه، انتشلتها من بين الركام لأن والدي كان يحبها. أما المنزل فقد صار كومة حجارة، وكذلك القرية. والدمار أفظع بكثير مما تظهره شاشات التلفزيون”.

 

لا يرد الشاب على أمنيات محدثه بتحريك عجلة إعادة الإعمار ليستعيد فرصة بناء منزله. هو لا يؤمن بأن هناك من سوف يعوض عليه، كأنه كتلة يأس.. لا رغبة لديه بأي احتمال يزيل عن كاهله هموم الخسارة، أو التغني بالعزة والكرامة والانتصار.. لا تعكس تعابير وجهه وحركة جسده سوى غضب مكبوت وهو يحمل ركوة القهوة.

 

هو مهزوم وحزين، إلا أن محدثه يحتار في منبع حزنه. لعله بسبب الانهيار غير المعلن، حتى تاريخه، لـ “الحزب” السند، بعد اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، أم أن فقدانه وهم السند وفائض القوة، بعدما صارت الذلة واقعاً، أو هي الخيبة الكبرى من “الحزب” ورأس الممانعة الإيرانية، ليضيفهما إلى قائمة الخيبات التي تشمل الدولة التي لم تمنح، أيضاً حتى تاريخه، مواطنيها أي أمان أو حقوق مواطَنة، وتحديداً سكان جنوب الليطاني المنكوبين منذ عقود بفعل الاعتداءات الإسرائيلية واحتلالاتها التي لا تنتهي.

 

مقابل رد الفعل المهذب والواقعي لهذا الشاب، هناك غضب آخر ينكر الهزيمة بوقاحة هتافات “شيعة.. شيعة”، ويستنفر متهماً كل الآخرين من اللبنانيين بالعمالة والصهيونية، ليؤكد أن انتصاره لا يزال صلباً، ما دام “حزب الله” قادراً على حشد مئات الآلاف لتشييع شهيديه حسن نصرالله وهاشم صفي الدين ليستعيد فائض قوته “بالهوبرة”، فلا يستهين به الراضخون للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، والذين لا هم لهم إلا نزع سلاحه. وكأن خسارة الحرب أمام إسرائيل تبقى تفصيلاً تافهاً، ما لم تفقده نفوذه ومصادرته البلد، وما دامت الحشود تتوافد، وما دامت الصور والأعلام الصفراء ترفع، وما دامت الحناجر تصدح “لبيك يا نصرالله”، وما دام الأوفياء في بيئته يتابعون مسيرة الاستقواء والاستعلاء، ولا يهتمون بركام بيوتهم وزوال قراهم عن الخريطة.

 

وبين “الشيعيتين”، يقف العهد الجديد، واعياً مسؤوليته: عليه أن يكون المنقذ من الضلال.. وكذلك من اليأس.. لذا يتساهل مع مرحلة تنفيس الغضب، ولكن من دون تجاوز للخطوط الحمر المتعلقة بأمن المطار وعدم إقفال طريقه.. وهناك انتظار لمرحلة ما بعد التشييع، علَّ نفوس الغاضبين تهدأ، وبعد جلسة الثقة، يبدأ العمل الجاد.

 

ولكن يبقى الخوف من قُطّاع مسيرة العهد، ممن ينفذون مخطط إبقاء مستعمرات الممانعة بؤر استثمار، وأوراق مفاوضات لصالح إيران، لتحصيل مطالبها من الشيطان الأكبر.. وان استدعت مزيداً من جولات الوحشية الإسرائيلية أو فوضى أمنية داخلية، بحيث لا يبقى لدى اللبنانيين جميعاً، وليس فقط أهل الجنوب، حتى ركوة قهوة..