IMLebanon

لاجئة أحرقت أولادها ونفسها بسبب الجوع

 

كأنّ مأساة اللاجئين السوريّين خلال العاصفة الثلجيّة التي ضربت لبنان والمنطقة الأسبوع الماضي لم تكن كافية بمشهد الثلوج التي دفنت خيمهم، تناقلت الأنباء أمس خبر لاجئة سوريّة من مخيم الركبان الأردني قامت بإحراق أطفالها الثلاثة ونفسها بعدما بقيت العائلة ثلاثة أيام من دون طعام!

 

من المؤسف أنّ هكذا مأساة مرّت من دون ضجيج، كانت الحيوانات لتحظى بتعاطف أكبر على مواقع التواصل الإجتماعي، المضحك ـ المبكي أن التباكي بمهام «الخير» والمساعدة ببطانيات وفرش وكنزات ومعاطف التي تذكّرتها بعض الدول العربيّة الأسبوع الماضي فجأة بعد مشهد غرق المخيمات واللاجئين بالثوج، استدركوا في قلب العاصفة، كأنّهم لا يعرفون الشتاء وقساوته على الفقراء الذين يملكون سقفاً وجدراناً تأويهم فكيف بالذين لا يملكون شيئاً من مقوّمات الحياة؟!

 

قمّة الفجور أن يتخلّى العرب عن أبسط القيم الإنسانيّة والدينية الرقيقة للإسلام، أرقّ ما في هذه القيم أنّ أكثر ما يحبّه الله سبحانه «إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام»، أين هذه القيمة من عرب اليوم الذين يدّعون أنّهم ممثّلو الإسلام الحضاري، كيف تبقى لاجئة وأولادها الثلاثة جياعاً بلا طعام ثلاثة أيام حتى تفقد إيمانها وتنحر نفسها وأولادها في لحظة مأساويّة؟!

 

في نفس الوقت تزامنت مع هذه الصورة من مخيّم الركبان الأردني الذي يعيش فيه 48 ألف لاجىء ظروفاً مأساويّة، ولبنان والأردن في هواء تحمّل أعباء اللجوء سواء، جاءت من تركيا صورة الرئيس رجب طيّب أردوغان وعمّالٍ أتراك يحملون المؤن ويتوجّهون بها إلى الغابات والجبال لتركها طعاماً للحيوانات حتى لا تقضي جوعاً بسبب الثلوج التي طمرت تحتها كلّ شيء، لست من جمهور أردوغان، بل من الذين يتوجّسون خيفة وشكّاً عندما يتماهى مع هذه الصور، والله وحده يعلم سريرة هذا الرّجل، إلا أنّني لم أملك إلا أن أحترم إنسانية رجل فكّر حتى بحيوانات بلده وتصرّف كمسؤول عنها، أمّا العرب فالخير لا يعدو عندهم سوى كونه دعاية تتناقض مع واقعهم وسلوكهم وبطرهم وأشرهم!

 

لم نسمع صوتاً أو توجيهاً واحداً بتوجيه جسر إغاثة جويّ عاجل ينقل المؤن ومستلزمات الدفء لهؤلاء اللاجئين للبقاء على قيد الحياة، وهذا أقلّ ما يفعلونه لأنّ سياساتهم هي التي أوصلت الشعب السوري إلى مهانات وذلّ الموت جوعاً في عراء المخيمّات!

 

في الحدّ الأدنى، كنّا لنظنّ أنّهم سيشكّلون فرق إغاثة عاجلة يوجهونها إلى حيث مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان لدعم هؤلاء على الأقل خلال محنة الشتاء الذي يمرّ عليهم، هؤلاء ليسوا العرب الذين درسنا أنّ إغاثة الملهوف والكرم وإقراء الضيف أبرز شيمهم، أظنّ أن هؤلاء عرباً بلا شيم، وبلا قيم، وأنّ إسلامهم «بوار»، هذا ليس إسلامنا الذي جعل الخليفة عمر بن عبدالعزيز يأمر بوضع الطعام على رؤوس الجبال خلال الشتاء لتجد الطيور طعامها، حتى لا يُقال مات الطير جوعاً في بلاد المسلمين، هذه القيمة والإنسانيّة مارسها رجب طيّب أردوغان في تركيا الأسبوع الماضي، قيمٌ وإنسانيّة تخلّى عنها العرب وتوحّشوا إلى حدّ تحرق به أم أطفالها ونفسها تحت وطأة كلمة «جوعانين وبردانين»، رأت في الموت رحمة بهم وهي تحدّق في برد الصحراء القاحلة والقاسية!

 

الخير سلوك، وقيمة تنبع من إنسانيّة الإنسان بصرف النظر عن دينه، الخير لا يحتاج إلى مناشدات ونداءات إنسانيّة للتحرّك، والإحساس بالمسؤوليّة تجاه هؤلاء لا يحتاج إلى دعاية وتطبيل وتزمير، مصير ومأساة هذه اللاجئة وأولادها الثلاثة سيبقى وصمة عار على جبين الدول العربيّة، وللمناسبة، غداً تصل إلى المنطقة كتلة قطبيّة باردة، فهل ينتظر العرب أن يحرق اللاجئون أنفسهم حطباً علّ أطفالهم يشعرون بلفحة دفء..