مع تراجع منسوب الحركة السياسية تحت عنواني الرئاسة والنفط، بعدما عادت الامور في الملفين الى المربع الاول، تحركت الامور على جبهات اخرى، اكثر سخونة، من معركة التعيينات العسكرية المبكرة، الى نفض الغبار عن الموازنة، مرورا بقانون الانتخاب، بانتظار موعد البحث بالسلة المتكاملة في الجلسات الحوارية الثلاثية، التي اضيف اليها موضوع النفط بعد تعذر تأمين الاجماع وارتفاع الحديث عن إسم جديد من خارج الأسماء المتداولة، حيث لا يلوح في الأفق ما يوحي بإمكان تذليل العقبات، خصوصاً مع انشغال كبار اللاعبين بأزمات المنطقة من سوريا الى العراق، واعتبار الملف اللبناني جزءا من «الحل كبير».
وسط هذا الستاتيكو، انشغل الداخل «بالدخان الابيض» المتصاعد من السراي والايجابية التي لفحت الموازنة ، مع تسجيل شبه اجماع على ضرورة فك أسر الموازنة ، رغم عدم نفي الكثيرين، من ان «تباينات كثيرة قد تنسف التوافقات الاولية، منها سلسلة الرتب والرواتب وتمويلُ المحكمة الدولية، مضيفين ان الاطراف أظهرت ليونة لافتة وسط إدراك لضرورة إحداث خرق على الصعيد الاقتصادي والمالي الذي يتأثر سلبا بالوضع السياسي المأزوم، واقرارُ الموازنة قد يشكل الصدمة الايجابية المطلوبة في هذا الاطار»، مؤكدين ان «الافراج» عن الموازنة يحتاج بلا شك الى قرار سياسي، والايام المقبلة ستكون كفيلة بتبيان الخيط الابيض من الاسود ،وما اذا كانت الامور جدية، أم أداة جديدة لملء الوقت السياسي الضائع.
في هذا الإطار، تؤكد مصادر وزارية أن من بين المخارج المطروحة اللجوء الى المادة 86 من الدستور التي تنص صراحة، على اصدار مشروع الموازنة بمرسوم تشريعي في حال لم يلتئم المجلس لهذه الغاية،باعتبارها تمارس صلاحيات الرئيس بفعل الشغور في بعبدا، في حال استمرار البعض في سياسة التعطيل المجلسي، ذلك ان الاوضاع المالية الغير المريحة لا تسمح بالاستمرار في الصرف على اساس القاعدة الاثني عشرية المعتمدة منذ عام 2005 ، وفي ظل تعثر كل المحاولات لتمرير الموازنات السابقة وقطوع حساباتها لما يعتريها من شوائب واتهامات بوجود «اختلاسات» واموال «مفقودة»، مشيرة الى أن هناك إصراراً على السير بالموازنة بعدما عرضت في الجلسة المالية وقائع لا تبشّر بالخير في السنوات المقبلة، لافتة الى ان أيا من الوزراء لم يثر موضوع قطع الحساب الذي غالبا ما يستخدمه فريق الثامن من آذار في وجه التيار الازرق،لأنه في رأيه، يضع تحت المجهر سياسات الرئيس فؤاد السنيورة المالية، لافتة الى أن هذه الخطوة الايجابية، اي فك ربط الموازنة بالانتهاء من قطع الحساب، تساهم في اقرار الاولى على ان يتم استكمال التدقيق في الثانية في مرحلة لاحقة.
واشارت المصادر الى أن هناك حاجة ملحة لتمرير الموازنة، ذلك ان نجاح الحكومة في إصدارها يعدّ من أهم إنجازاتها في ظل الشلل الذي تعاني منه،وان التوقّف عن اللجوء الى الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية قد يجعل من الوضع المالي اكثر تأزماً،علما لن يتوقف بسرعة حالياً.
اجراء لم تبد اي من الاطراف السياسية اعتراضها عليه ،اقله حتى الساعة، بحسب المصادر، التي سرعان ما تستدرك ان الامور قابلة للانقلاب في اي لحظة، على ضوء المشاورات التي يعتزم القيام بها كل من رئيس الحكومة تمام سلام ووزير المال علي حسن خليل على ضوء الدراسات الدستورية والقانونية التي سيتسلمانها خلال الايام القادمة،ليبنى على الشيء مقتضاه، بعد احكام التفاهم السياسي، موضحة أن الحكومة لا تحاول الضغط او التهويل في هذا الاطار، إنما تعرض الأمور كما هي متوجهة الى المعنيين للتعاون من أجل خلاص البلاد، معربة عن اعتقادها ان المسعى لإنجازها كما يجب يتطلب مساعدة من معظم القيادات في الوقت الذي لم تعالج فيه مسألة قطع الحساب.
صورة لا تلغي مفعول الأصوات الوزارية المهددة بالاستقالة من الحكومة ما لم يقر مشروع موازنة ال 2017، او اقله وقف جلسات مجلس الوزراء حتى اقرارها بحسب ما سرب احد الوزراء، حيث ترى مصادر سياسية متابعة أنه من المبكر التوقّع في شأن انعقاد أي جلسة للمجلس متوقعة ان ترسم الأسابيع المقبلة صورة اكثر وضوحا لمشهد انعقاد المجلس او غيابه، مؤكدة أن الحكومة بدت متجانسة مع بعضها البعض، لكن هناك كتلاً نيابية تمثّلها ولا بدّ من العودة إليها لإعلان القرار النهائي، داعية الى انتظار الاستحقاقات الزمنية التي من شأنها ان تظهر الأمور وتدفع الحكومة إما الى السير بما توافقت عليه أو فرملة ذلك بفعل سلوك المنحى الطبيعي للموازنة داخل مجلس النواب، جازمة بان الاخير لا يريد أن يتخلى عن دوره أما الأسباب التي تحول دون انعقاده فباتت معروفة، لكن مع وجود مشروع أساسي كمشروع الموازنة فقد يكون هناك كلام آخر، لافتة الى أن جلسات الحوار المرتقبة يفترض بها أن تبلور شيئاً ما وإن لم تكن الموازنة مدرجة ضمن جدول أعمالها.
اذا كانت بعض الحواجز «النفطية» بين عين التينة والمصيطبة لم تذلّل كلها، فهل ما توصلت اليه الحكومة من قرار حول الإلتزام بالمادة 86 قابل للتطبيق بالفعل؟ أم أنه كلام للتهويل وللضغط على المجلس النيابي؟ والاهم، هل نضجت الطبخة بعد أكثر من عشر سنوات من التعثر؟